كتابة «القدس» روائياً
يحق للقارىء العربي أن يستهجن ودوله العربية تحتفل هذا العام بالقدس عاصمة للثقافة العربية غياب الكتابة الإبداعية عن القدس كمدينة مكانية يمكن أن تتقبل العمل الإبداعي بشخوصه وأبطاله في قصص وروايات. فالمدن العربية العربية بكامل تاريخ هيبتها المكانية، احتلت العديد العديد من الروايات العربية. بينما القدس ظلت يتيمة في هذا المجال.
ويتعمق الاستهجان هذا عند العربي حينما يعقد مقارنة بين النتاجات الروائية العربية المختصة بالقدس كمكان، والكتابات الروائية اليهودية حول القدس. ذلك أن مجمل الكتابات الروائية اليهودية عن القدس كمكان روائي قد تجاوز الـ«100» رواية، بينما وصل عدد الروايات العربية عن القدس بما لا يتجاوز عدد أصابع اليد.
ويمكن هنا الإشارة إلى ما تعرضت له الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان حينما ذهبت إلى بريطانيا وسألها بريطاني: من أين أنت؟ فأجابت أنا من جوار القدس، فسألها : يهودية؟
بعدها كتبت شعراً حزيناً يدعو إلى الاهتمام بتعريف العالم الفلسطيني العربي المقدسي للعالم.
إن القدس في الإبداع العالمي تبدو كأنها «ملكية يهودية»، استطاع الكتّاب اليهود أن يجندوا كتاباتهم من أجلها. إلى الدرجة التي ذكرت فيها كلمة القدس في إحدى الروايات اليهودية «52» مرة، بينما تنحصر القدس كمكان في الروايات الفلسطينية والعربية في أربع روايات هي: «برج القلق» للروائية الفلسطينية «ديمة السمان»، ورواية «نهاية ظل آخر للمدينة» للقاص الفلسطيني «محمود شقير»، ورواية «صبري» للشاب المقدسي «عباس أبوالسعود». ورواية العراقي «علي بدر» التي حملت عنوان «مصابيح أورشليم». وحينما ندخل في مضامين هذه الروايات الأربع، لن نجد الحيز المكثف والمشع للقدس كمكان في مثل هذه الروايات، بمعنى أن المكان المقدسي الذي تجذر بالناس وبالمقيمين فوقه منذ مطلع التاريخ على تنوع أديانهم ومعتقداتهم باعتباره المكان الجاذب والمقدس، لم يتجذر بالمستوى ذاته إبداعياً.
لكن القدس بمكانتها المقدسة استطاعت ان تتجذر في الأدب اليهودي إلى الدرجة التي تحولت فيها أدبيا وإبداعياً إلى ملكية يهودية طاردة للمؤسس الكنعاني الأول الذي أعطاها اسمها العربي «أور سالم».
وكان من الممكن للعربي أو للفلسطيني تحديداً الذي عاش كل هذه الأثقال التاريخية التي عاشتها القدس، أن يمتح نصه الإبداعي العالمي والمميز، ليمنح المدينة طعم الكتابة التي تدلل على الإقامة العربية والإسلامية فيها.
إنّ المبدع العربي ظلّ يعمل على إزاحة المدينة المقدسة من سلم أولوياته الكتابية ليحيطها بمكانة تجريدية في روحه متحاشياً إدخالها في اشتباكات الكتابة وتعرجاتها الحادة، مبقياً على صورتها الروحية المقدسة. كمكان يعاني من التفريغ السكاني ولا ينهض في الوجدان إلا بأمكنته المقدسة عربياً وعالمياً.
إنّ الحفريات التوراتية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي بحثاً عن وهم الهيكل إلى درجة احتمال تقويض المدينة القديمة، يجب أن يقابله بالمثل الحفر الإبداعي العربي القادر على إنهاض مدينتنا المقدسة من نومتها الكتابية هذه.
إننا ونحن نعد العدة عربياً للاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية، علينا أن نحيد السماكات الشعارية العربية التي أثقلت ظهر القدس تاريخياً، ونبدأ بالعمل على مشروع جدّي يتعامل مع المكان المقدسي على صعيد الرواية والقصة والشعر والتشكيل والمسرح، ونعمل على تسويق هذه النتاجات عالمياً. وعندها يمكن أن نقول بأننا سددنا بعض الضرائب تجاه القدس، ومنحناها ذاك البهاء الذي ظلت تفتقر إليه طويلاً.