خبراء «البطيخ» والأموال المهدورة
مدير قسم الموارد البشرية في شركة تأمين كبرى يقول: «الشركة وظّفت خلال عامين نحو ستة خبراء غربيين، بينهم خبيرة في إدارة المخاطر، عمرها لا يتجاوز 28 عاماً، خصّصت لها إدارة الشركة جناحاً للإقامة في فندق شهير، وسيارة خاصة مع سائق، إضافة إلى راتب يعادل بالضبط مجموع نصف رواتب موظفي القسم، ومع ذلك أنهت الشركة عقدها قبل فترة انتهائه، لأنها لم تقدّم أي جديد يمكن أن يميزها عن غيرها من موظفي القسم»!
هذا نموذج من آلاف النماذج المنتشرة في مختلف مواقع العمل، في القطاعين العام والخاص، ولا فرق بينهما في هذا الشأن. مئات الملايين من الدراهم تهدر مخصصاتٍ ورواتب عالية، للصرف على هؤلاء الذين يطلق عليهم لقب «خبراء» أو «مستشارون»، وفي النهاية نكتشف أن الرابط بينهم وبين عمل الخبراء، كالرابط بين أسلوب عمل «زرّاع» البطيخ، وخط إنتاج القنبلة النووية!
وعلى الرغم من انكشاف مئات خبراء «البطيخ»، وخصوصاً أولئك أصحاب العيون الزرق، ومثلهم حملة «اللابتوب» وعشاق «البرزينتيشن»، الذين يتمتعون بصورة نمطية، ومفاهيم مسبقة، عن قدراتهم الفائقة ومهاراتهم المعرفية، إلا أن جاذبيتهم مازالت قوية، وسيطرتهم على كثير من العقول لاتزال في أوجها، مهما حاول «مركز أبوظبي العالمي للتميز» بذل الجهود المضاعفة لترسيخ الوعي لدى المديرين والمسؤولين عن التوظيف، وإقناعهم بأهمية التدقيق، وعدم الانجراف وراء لون العينين أو الشعر، فليس كل ما يلمع ذهباً، ولا كل ذي شعر أشقر خبيراً!
خطوات في منتهى الأهمية يقوم بها المركز، على الرغم من أننا كنا نحتاج إلى ذلك قبل 20 عاماً على الأقل، لكن لا بأس أن نبدأ في هذا الوقت، فالبداية خير من الاستمرار في هدر المزيد من الملايين على مثل هؤلاء، خصوصاً في هذا الوقت الذي نحتاج فيه إلى كل مليون!
مركز أبوظبي العالمي للتميز «يعمل حالياً مع مؤسسات عالمية متخصّصة على إيجاد (مرجعية محددة) ذات مؤشرات مهنية واضحة، لتعريف الخبير والمستشار، ومن يحملون هذه المسمّيات المهنية من الراغبين في العمل داخل الدولة»، وهذه المرجعية جاءت بعد دراسة النماذج الأميركية والإنجليزية واليابانية والأسترالية. وهذا يعني بالتأكيد «تنظيف» سوق العمل من 90٪، إذا لم أكن مخطئاً، من أمثال خبيرة المخاطر التي لم تكن تفقه في إدارة المخاطر شيئاً!
بالتأكيد هي خطوة في غاية الأهمية، فالوضع الحالي مضحك تماماً، ومنصب المستشار أصبح مفهوماً مساوياً للترضية والتكريم والحصول على المال من دون مقابل، كما أن منصب «الخبير» مخصّص للتحايل على قوانين الموارد البشرية، والكوادر الوظيفية، بحيث تفتح أبواب البذخ والصرف والهبات والعطايا لصاحب المنصب، ليس لكونه خبيراً، بل لقوة العلاقة التي تربطه بالمدير، أو صاحب العمل!
لابد من تعميم «نموذج» الخبير الذي سيصدره مركز أبوظبي العالمي للتميز على جميع الوزارات والدوائر والشركات الكبرى، وتطبيق بنوده على خبراء الاقتصاد والمال والاستثمار والتعليم والصحة والإعلام والإدارة والموارد البشرية وغيرهم.
عندها فقط نستطيع تحديد حجم الخسائر المالية، التي أهدرت هباءً منثوراً، طوال الـ20 عاماً الماضية، هذه المبالغ كانت ستقضي على بطالة المواطنين جميعاً، كما أنها كانت كافية لتأهيل المواطنين في سوق العمل، وتدريبهم، هم وأبناؤهم، وأبناء أبنائهم!