من المجالس
خبراتنا الوطنية تخرج من الخدمة غير مأسوف عليها، و«الخبراء» عديمو الخبرة المستوردون يكتسحون كل المواقع في عملية إحلال عكسية هي الأغرب ربما على مستوى العالم. ونقول خبراتنا الوطنية ولا نقول خبراؤنا، لأن الكندورة والعقال لم يجدا لهما توصيفاً بعد في قواميس تفسير مفردة «خبير»، فكلمة خبير وكلمة مواطن خطان متوازيان لا يلتقيان في نظامنا الوظيفي.
ولذلك فإنه عندما تتراكم الخبرة عند المواطن و تزداد المعرفة وتتضخم المعلومات، وتمضي به السنون، وترحل به التجارب، ويصل إلى المراتب العليا من الفهم والدراية والقدرة على اتخاذ القرار أو المساهمة في صنع القرار، فإنه يصبح منتهي الصلاحية، وغير مناسب لمراحل التغيير والتحديث، وربما التخريب، فيصبح لزاما إخراجه من الخدمة، إما من باب التقاعد وإما من باب التهميش والعزل والتجميد، وفي آخر موضة إعادة التأهيل.
بحثت في أغلب هياكلنا الوظيفية عن مواطنين يحملون صفة خبير، أو يشغلون وظيفة خبير. وعلى الرغم من أن الخبراء أصبحوا في كل حارة وسكة، كما يقولون، في وزاراتنا ودوائرنا وهيئاتنا وشركاتنا الحكومية وشبه الحكومية والمساهمة والوطنية، غير أن حضور المواطن في تركيبة هذه الشريحة الواسعة شبه معدوم، إلا في إدارات الأدلة الجنائية التي تعتبر كلمة «خبير»، و«مساعد خبير» مسميات وظيفية تخص المكان وطبيعة عمله. أما ما دون ذلك من الجهات فوجود مواطن برتبة خبير أو مستشار، إن حدث، فهو مثل «حبة الخال» في بشرة سمراء لا تكاد تبين.
مشكلة المواطن مع مؤسسة الوظيفة عندنا، أنه عندما يكون شاباً أو في منتصف العمر الوظيفي يكون في وضع مبكر طري العود، وإن كان فلتة زمانه، وبالتالي لا يتناسب مع مسمى «خبير»، و إذا كان معمراً في الوظيفة، ضارباً في زمن الخبرة، ومخضرماً في مكانه، صار «إكسبايرد»، وقيل إنه يأخذ زمانه وزمان غيره، فيحال إلى المستودع إما بالتقاعد أو بالتجميد أو إعادة التدوير. في المقابل فإن مواصفات الخبير «لايقة» على غيره وإن كانت صاحبة الـ 28 ربيعاً، أوصاحب السبعين خريفاً، وإن كانت المؤهلات وهمية والمواصفات غير فنية، والخبرات في غسل الصحون بفنادق «بد آند بركفست».