المشكلة في اختيار «البطيخ»!
من أجمل الردود التي تلقيتها على موضوع «خبراء البطيخ» رسالة إلكترونية، يقول صاحبها: «كنت أفكر ذات يوم في حيوان «الفيل»، وفجأة استوقفتني فكرة حيرتني، وهي حقيقة أن هذه المخلوقات الضخمة قد تم تقييدها في حديقة الحيوان بواسطة حبل صغير، يلف حول قدمها الأمامية، لا وجود لسلاسل ضخمة، ولا أقفاص، كان من الملاحظ جداً أن الفيل يستطيع وببساطة أن يتحرر من قيده في أي وقت يشاء، لكنه لسبب ما لا يُقدم على ذلك»!
ويضيف:«شاهدت مدرب الفيل بالقرب منه فسألته: لماذا تقف هذه الحيوانات الضخمة مكانها، ولا تقوم بأي محاولة للهرب؟».
حسناً، أجاب المدرب: «حينما كانت هذه الحيوانات الضخمة حديثة الولادة وكانت أصغر بكثير مما هي عليه الآن، كنا نستخدم لها حجم القيد الحالي نفسه لنربطها به، وكانت هذه القيود، في ذلك العمر، كافية لتقييدها، ولما كبرت هذه الحيوانات ظل الاعتقاد السائد لديها، أنها لاتزال غير قادرة على فك القيود والتحرر منها، بل ظلت على اعتقاد أن الحبل لايزال يقيدها، ولذلك هي لا تحاول أبداً أن تتحرر منه». كنت مندهشاً جداً، هذه الحيوانات، التي تملك القوة لرفع أوزان هائلة، تستطيع وببساطة أن تتحرر من قيودها، لكنها اعتقدت أنها لن تستطيع ففضلت البقاء مكانها!
أويواصل صاحب الرسالة كلامه مستنتجاً: «الكثيرون أيضاً يمضون في الحياة معلقين بقناعة مفادها أننا لا نستطيع أن ننجز أو نغير شيئاً، وذلك ببساطة لأننا نعتقد أننا عاجزون عن ذلك، أو أننا حاولنا ذات يوم ولم نفلح»!
حكمة في منتهى الروعة، استخلصناها من «الفيل»، ولربما الإيمان العميق المتأصل في جذور الكثير من المسؤولين، وقناعتهم التامة بضرورة وجود «الخبير» الأجنبي، الذي يعتبر واحداً من أشد القيود التي نحتاج إلى «فكها»، ولربما أن «الخبراء» السابقين لعبوا دور «مدرب» الفيل، فأوهمونا بصعوبة العيش من دونهم، وأقنعونا بعدم جدوى التحرر من القيود، حتى نراوح مكاننا سنوات طويلة!
أعود وأؤكد في مقال اليوم، أننا مازلنا نحتاج إلى الخبراء، لاشك في ذلك، ومخطئ من يعتقد عكس ذلك، لكننا نعاني بالفعل من مسألة اختيار هؤلاء الخبراء، والنتيجة أن أخطاء الاختيارات السابقة، هي التي أعطت الانطباع العام السائد الآن بعدم جدوى وفائدة كثير من الخبراء الحاليين الجاثمين على الدوائر والمؤسسات والوزارات.
هناك سوء في الاختيار أحياناً، وهناك مصالح شخصية في مواقع أخرى، وهناك مجاملات ومحاباة، وهناك «برستيج» و«ديكور» اجتماعي في أحيان كثيرة، ونتيجة هذا كله أموال تضيع من دون فائدة، وإحباطات تلحق ببقية الموظفين من ناحية ثانية.
ومع ذلك لا ننكر وجود جهات أحسنت اختيار خبرائها بعد التدقيق على خبراتهم «الحقيقية» السابقة، وعدم الاتكال على «توصيات» شركات الاستشارات وبيوت الخبرة، والتدقيق على السير الذاتية بعين فاحصة، ونتيجة ذلك كانت الاستفادة القصوى من هؤلاء الخبراء الحقيقيين لدعم مسيرة التنمية والتطوير الهيكلي والإداري، ونتائج الاختيار الصحيح ظهرت بوضوح على أسلوب ونهج عمل تلك المؤسسات، ونجاحها في كسب ثقة المراجعين والعملاء.
خلاصة ذلك أن هناك مشكلة في «خبراء البطيخ»، لكن المشكلة الأكبر تكمن في شخص من يختار هذا «البطيخ»، وكيفية التمييز بين «الأحمر» و«الأبيض» منه!