صُبح الأعشى

زياد العناني

في جلسة حوار معه على هامش مشاركته في مهرجان«شعر ومسرح» في عمّان أخيرا، وبحضور الشاعرين خالد أبو خالد وإسكندر حبش، والكاتب محمود منير، قال الشاعر سميح القاسم«إنه يمثل قمة الشعر العربي ولا يغيضه إلا شاعر واحد هو المتنبي».

قد يبدو ما قاله القاسم مجرد حماسة شعرية، تتعلق بكتابته لقصيدة العمود وشهادة الجواهري له بالتفوق على غيره من شعراء فلسطين، ومنهم محمود درويش.

وقد يبدو أنه مجرد رد قاس على ما قاله الشاعر خالد أبو خالد حين أكد في دمشق قبل عام أن القاسم حاول ان يقلد محمود درويش لكنه فشل.

وقد لا يبدو الأمر كذلك إذا استذكرنا الشاعر أوكتافيو باث حينما قال : « بين ما أقوله وما أبحث عنه يكون الشعر».

كيف لشاعر مهما اكتهل أن يرى صورته الشخصية وهي تأخذ الجدار كله وتفيض مغطية بقية الصور؟

كيف لشاعر مهما كان جماهيريا، أو صاحب تجربة سياسية، أن يظهر يصورة جماعيـة ليـس فيهــا أي أثـر لمجايل قريب أو صديق أو جديد، وينحاز تماما إلى معايير التفضيل التي تطل مثل شهادة وهي تردد أنه الأعلم بفنون الشعر؟

لا أحد يريد أن ينكر أو يتنكر لتجربة القاسم ومضامينها المقاومة، سواء أخذت بالكتابة الحديثة أو سلكت سلوك القدماء، لكن السؤال الذي لم يجب عنه في تلك الجلسة الاستفزازية، وفضل التخاريج الدبلوماسية، هو أين ذهب شعراء المعلقات؟ وأين ذهب من تلاهم في العصرين الأموي والعباسي؟ وأين ضاعت جهود السياب ونازك الملائكة ونزار قباني وأدونيس والبياتي ومحمود درويش ومحمد الماغوط؟

ثمة لغة ثانية تكمن في ما قاله القاسم، ويخال أن وراءها مأزقا نفسيا، يحتاج المرء معه إلى قراءة كتاب« صبح الأعشى في صناعة الإنشا».
ثمة محو مبنيّ على الفعل وردة الفعل.
ثمة استئصال لا لزوم له.
وثمة استقواء حدث لا أحد يدري بأي جهة راح، يدفع بالشاعر الحي إلى إنكار الموتى وإطلاق كلمات غير مفكر فيها، من دون أن يضطر إلى التلكؤ قبل الوقوع في خطأ قد لا يغتفر، على الأقل من الجمهور الذي يحبهم ويشير إليهم.
كان يمكن للقاسم مثلا أن يترك هذا الشأن للنقاد أو الجمهور، ليقولوا شهادتهم في تجربته الشعرية .
أو كان يمكن أن يبدي إعجابه بنفسه من غير أن يلجأ إلى محو الجزء الأكبر من الشعر العربي، وتثبيت شعريته وشعرية المتنبي على مضض.

لو أن هذا الكلام الذي خرج من هذا الفحل الشعري خرج من شاعر آخر، لقلنا قصير يطاول، لكن ماذا نقول للقاسم أو الشاعر الذي استطاع أن يؤكد بلاغة تخصه في مجالات كثيرة إلا المجال الإعلامي الذي بات يأخذه إلى استطرادات مجانية تنهك الشعر والشاعر معاً، سوى ما قاله كيتس: «الشعر ليس تعبيراً عن الشخصية بقدر ما هو إفلات منها».

 

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر