من المجالس
حجة الهيئة العامة للأوقاف في إزالة المساجد الخشبية المؤقتة «الكرافانات» مقبولة ومعقولة. فهذه المساجد، أولاً، أنشئت لتكون مؤقتة، والقبول بالمؤقت ليكون دائماً يجعل كل شيء في حياتنا طارئاً لا يلبث أن يلبس ثوب الديمومة دون أن يمتلك معايير هذه الديمومة. وهذه المساجد، ثانياً، لا تتوافر فيها شروط السلامة، ولا النظافة، ولا حتى القدرة الاستيعابية، فتكون خطراً على من يرتادها ومن يسكن بجوارها، وتتحول شيئاً فشيئاً إلى مشهد غير لائق ببيوت الله ولا بمظهر المدينة بعد أن تتوسع وتزحف على الأرصفة المحيطة بإضافات عشوائية، ومرافق غير صحية ومواضئ في الطريق العام.
و أما ثالثاً، فلأن وجود هذه الفئة من المساجد وتحولها من «مصليات» مؤقتة إلى مساجد دائمة تنتشر في كل المدن والأحياء لا يتناسب مع إمكانات دولة الإمارات، ومظهرها الذي صارت تباهي به الآخرين، ولا يسد حاجة السكان المتزايدة من المساجد، ولا يستقيم مع متطلبات ومعايير المباني والأماكن المخصصة لعبادة رب العباد، ولا خلاف على صحة القرار، ولكن لا خلاف أيضاً على أن الإزالة وحدها تقطع نصف الطريق ثم تقف. فإذا كان وجود «الكرافانات» عاجزاً عن مجاراة الزيادة السكانية وزيادة حاجة الناس للمساجد، فإن غياب هذه المساجد يعني تفاقم الحاجة. وقد سعت الهيئة لتخصيص أراض لبناء مساجد جديدة تفوق عدد المساجد المزالة وتتناسب مع التوسع العمراني بالدولة، ولكنها رمت بالمسؤولية عن بناء المساجد الجديدة إلى المتبرعين.. وقد أثبتت التجربة التي مضى عليها عدة سنوات أن حركة التبرع لبناء المساجد أبطأ بكثير من حركة الزيادة السكانية وزيادة حاجة الناس للمساجد، وخاصة في المناطق الجديدة. وقد كانت الخطط العمرانية تقوم على الدوام باعتبار المسجد أهم مرافق ومراكز الخدمة الضرورية لأي تجمع سكاني، وربما تتجاوز هذه المسؤولية صلاحيات الهيئة العامة للأوقاف إلى مؤسسات التخطيط والتنفيذ كالبلديات والمجالس التنفيذية التي نتمنى أن توفر على الناس انتظار وصول المتبرعين وتضع المساجد في صلب خططها وبرامجها العمرانية.