«الأسوأ صار وراءنا»

جاء صحافي خليجي قبل فترة ليست بطويلة، أثناء انعقاد الملتقى الإعلامي العربي بالعاصمة الكويتية، وهو يحمل صحيفة كويتية كتب رئيس تحريرها مقالاً يدعو فيه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى عقد مؤتمر صحافي للتحدث حول تداعيات الأزمة، وأشار رئيس التحرير في مقاله إلى أن «هناك كثيراً من مسؤولي الإمارات تحدثوا عن الأزمة، لكن الثقة والطمأنينة لن تنعكسا إيجاباً على الأسواق المالية إلا بتصريحات مباشرة من الشيخ محمد بن راشد»، سألني الصحافي ما رأيك في هذا المقال؟ فأجبته: «محمد بن راشد يدرك تماماً متى يكون صمته بليغاً، ويعرف بدقة متى يكسر جمود الصمت، وعنده دائماً ما يقوله، لكنه يختار بنفسه الوقت المناسب للكلام».

سموه كان أول مسؤول إماراتي يقر بوجود تأثير للأزمة المالية في اقتصاد الإمارات، وأعلنها صراحة قبل أشهر عدة، حين قال: «نعم لقد تأثرنا بالأزمة مثلنا مثل جميع الدول المتطورة اقتصادياً، فالأزمة لم تستثنِ سوى الدول المغلقة، ونحن لسنا كذلك»، وتحدث في ذلك الوقت عن «حزمة» من الإجراءات الحكومية التي ستتخذ للتقليل من آثار الأزمة في الاقتصاد الوطني.

ولعل ذلك يفسر ابتعاد سموه عن التصريحات طوال تلك الفترة، فالأولوية كانت للعمل، والقيادة، والتوجيه، والمراقبة عن كثب، ودراسة كل المستجدات، لا وقت للكلام مقابل العمل، لقد قال كلمته واعترف بوجود تأثير للأزمة، وأطلق الخطط والاستراتيجيات المضادة. وخبراء الاقتصاد يدركون تماماً أن مثل هذه الخطط لا تأتي نتائجها في 24 أو 48 ساعة، ولا حتى في شهر أو شهرين، إنه اقتصاد وأسواق ومال، تحتاج الى جهد ووقت، فالمسألة ليست مرهونة بعصا سحرية، ولا وجود لمارد يقول «شبيك لبيك»!

كان يراقب الوضع، يقرأ الشائعات، ويسمع المبالغات، ويرصد أقوال المشككين والحاسدين، تحدثوا عن فشل نموذج دبي، فلم يعرهم اهتماماً، أطلقوا الأخبار الكاذبة عن صحته، فرد عليهم عملياً من دون أن ينطق بحرف واحد حين شارك في أربعة سباقات للقدرة مسافة الواحد منها 140 كيلومتراً!

اختلقوا الأقاويل والأكاذيب، وحاولوا الدس، واللعب على وتر «الحساسية» المزعومة بين أبوظبي ودبي، ففاجأهم رئيس الدولة بزيارة «تاريخية» لدبي أخرست ألسنتهم.. تلاعبوا في عناوين الأخبار، ولوّنوا الحقيقة بلون رمادي وأسود، ومع ذلك ظل محمد بن راشد صامتاً وصامداً، يخطط ويعمل وينفذ من دون أن يتحدث.

وبحكمة المحارب الذي يختار بذكاء شديد توقيت ومكان معركته، جاء رده على كل الشائعات بطريقة حضارية، وذلك بعد أن بدأت الأرقام والمؤشرات تستجيب للسياسات والإجراءات التي اتبعها، وحين أصبحت الحقيقة واضحة وضوح الشمس، خرج إليهم ليخرسهم من جديد، بكلمتين أصابتا الأكاذيب والشائعات في مقتل، قال لهم بجرأة الواثق بنفسه: «الأسوأ في الأزمة المالية العالمية صار وراءنا، وقد عبرنا الأزمة بأقل قدر من الخسائر»، رد على كل المتصيدين الذين حاولوا زرع الفتنة بين دبي وأبوظبي بكلمات لا أروع منها، فقال: «لا يوجد بيع ولا شراء بين دبي وأبوظبي، وكل ما في دبي هو لأبوظبي»، هل هناك أوضح من ذلك إلا قوله: «خليفة قائدنا وهذه بلاده له فيها أكثر مما لنا فيها»!

هل عرفتم الآن لماذا صمت محمد بن راشد طوال الفترة الماضية؟ وهل سيدرك كثيرون ممن روجوا الشائعات والأكاذيب، معنى وقيمة كل كلمة قالها في تصريحاته؟

 

reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة