أخطاء صديق

زياد العناني

الأخطاء التي تعرضت لها مجموعة الشاعر الراحل محمود درويش «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» ليست أخطاء أصدقاء، واللجنة التي شُكلت ليست لجنة أصدقاء، وإن ضمت الروائي الياس خوري الذي خطف طائرة الديوان، وتصدى للتحرير والتبويب، واحتكار قرار توقيت الطباعة بطريقة ليست بريئة.

الناشر اللبناني رياض الريس أيضاً ليس بريئا، لأنه تعجل باستثمار فرصة المناسبة، على الرغم مما يدعيه من معرفة كبيرة بنصوص الشاعر الراحل.

أصدقاء درويش هم أصدقاء شعره، وحين نقول أصدقاء شعره لا بد لنا من القول إن الراحل كان يثق برأي ثلاثة شعراء: خيري منصور وطاهر رياض وزهير أبو شايب؛ والسؤال هنا لماذا خلت لجنة الأصدقاء من هذه الأسماء؟ ولماذا تم الاعتماد على الفنان مارسيل خليفة والشاعر علي الخليلي والمحامي جواد بولس والكاتب أكرم هنية وأمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه، إضافة إلى الروائي إلياس خوري وشقيق الراحل أحمد درويش.

في قصائده الأخيرة يقول محمود درويش:

«لي مطلب واحد: أن يكون اليمام هو المتحدث باسمي

إذا سقط الإسم مني».

وبناء على هذه الوصية التي خطت بالمجاز، كان على الريّس تحديدا أن يقول لنفسه: أن هلم إلى الأعالي بحثا عن يمامة واحدة تتحدث باسم درويش، بدلا من الأسماء التي ظهرت بعد ظهورالديوان، وتطفلت لكي تستفيد من موت الشاعر الذي استفادت من حياته، ومن صداقته أيضا.

قد نجد من يقول لماذا هذه الضجة؟ وقد يقال إن المسألة انتهت لأن الديوان سيرى النور بنسخة منقحة. لكن المسألة ليست هنا، وإنما في حضور سلطة تقوم خارج سلطة الشعر.

ثمة سلطة مارستها اللجنة تقول إن الهدف ليس في نشر المجموعة، وإنما في وعي هذه الأسماء التي أكدت أن هذا الشاعر الكوني «لا يستحق إرثه»، وأننا نستحق أن نتقاسم الإرث معه.

لم يكن درويش بحاجة إلى المحامي جواد بولس لحماية حقوقه! ولم يكن على طاولة مفاوضات سياسية، ليكون أمين سر اللجنة الفلسطينية ياسر عبد ربه معه! كما أنه لم يكن ضمن جاهة عشائرية ليكون شقيقه معه. ولم يكن بصدد تلحين أغنية ليكون مارسيل خليفة معه. لأنه أصلا نام في «عطر الغائب»، وترك للجميع أن يتلاعبوا بحضرة غيابه، بادعاء صداقات لا ندري مدى أهميتها، على الرغم من أن من يعرف درويش يعرف وحدته المقدسة وخوفه من الأصدقاء، لأنه كان يرى أنه بلا أعداء واضحين، والدليل أنه اعترف في أواخر أيامه بأنه كان يغلق باب شقته العمانية خوفا من الخارج، ثم يجلس، وما هي برهة حتى يفتح الباب خوفا من أن يموت في الداخل، من دون أن يعرف الناس عن موته .

غاب درويش، وسيغيب الأصدقاء أيضا بلا مصالحة، غير أن الشعر وحده سيرسم جدارية أخرى، لا تتضمن أخطاء في العروض والتقطيع والتنقيط والتحريك، ولن يحتاج بعد الآن إلى أي مخلوق يتصدى لمهمة، ليس أهلا لها لأنه اكتمل في حياته كما اكتمل في الغياب.

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر