الحياء خيرٌ كلّه
يعرف الحياء بأنه: خُلُقٌ يبعث على فعل كل مليح، وترك كل قبيح، وهو شعبة من الإيمان، بل هو الإيمان كله، لذلك كان خلق المؤمنين، ومنهج الصالحين، وزاد المتقين، فقد ورد عند ابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار» وورد عند الحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والإيمان، فسلوهما الله تعالى» وهي دلائل واضحة على أهمية الحياء في حياة المرء، وبه تستدل على ما في المرء من ديانة أو عدمها، فمن رأيته قد ألقى جلباب الحياء عن ذاته، فلم يعد يبالي أن يمشي عارياً أو ثملاً، أو تراه يتسكع هنا أو هناك، أو بذيئاً في قوله وفعله، رجلاً كان أم امرأة، فاعرف أنه قد نُزع الإيمان منه، فلم يعد يبالي، أوقع على الشر أم وقع عليه، وهذا ما بيّنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة، إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» كما أخرجه البخاري، وهو دليل على أن منهج الحياء، منهج نبوي لم تختلف أهميته من شريعة لأخرى، فما بالنا إذا نرى مدعي الديانات السماوية يتنكّبون لهذه الخلّة القيمية العظيمة لو كانوا صادقين.
الحياء إكسير الحياة، وشريان الإيمان، وبرهان المروءة، فمن كان في وضعه السوي فعليه ألا يفرط في قليله أو كثيره، فإنه إن فعل ذلك يكون قد فقد تلك المعاني الراقية من حياته القصيرة، وهذا ما عبّر عنه الإمام الشافعي بقوله:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
نعم ليس في العيش خير إذا ما عد الإنسان من سقط المتاع بسبب تجرده عن الحياء والحشمة، لأنه سيعيش مُزدراً عند الوجهاء، معرضاً عنه عند العقلاء، فما قيمته في حياته عندئذٍ إن كان لديه حياة قلب ومسكة لُب، كما قالوا:
وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع
فكان على المرء أن يحافظ على حيائه كما يحافظ على حياته؛ لأن الحياة السعيدة الراقية والحياء متلازمان، فإن فقد حياءه فقد أورد نفسه مورد السوء، فإنه إذا ذهب الحياء حل البلاء، وأعظم من ذلك أنه يفقد حقيقة الإيمان ولذة طاعة الرحمن، ولو صدق في حيائه «لحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك قد جمع الخير كله، ألا فهل من مدّكر؟
❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دبي