إياد السامرائي
استوقفتني كثيراً الصور التي تبادلتها وسائل الإعلام أخيراً لرئيس البرلمان العراقي الجديد إياد السامرائي وهو يتلقى القبلات والعناق تهنئةً له على فوزه بمنصب رئيس البرلمان، بعد أخذ ورد طويلين لمنصب بلا صلاحيات، الصور أعادتني 20 عاماً للوراء عندما كنا صغاراً نحتفل دوماً بعد صلاة العيد في حديقة منطقة (الفشت) في الشارقة بالعيدين، وكان المهندس إياد السامرائي يصر على دعوة أهالي المنطقة بعد الصلاة إلى مائدة إفطار ويعانقهم بذات الطريقة التي لم تتغير منذ 20 عاماً، قبلتان على الوجنة اليمنى وقبلة على الكتف الأيمن،
في الشارقة عونق إياد كثيراً من جيران وأحباء لم يكونوا يعلمون شيئاً عن خلفيته السياسية أو الراديكالية، وكانوا يتمنون له التوفيق بحق، ولكن لا أدري على ماذا يهنئه معانقو اليوم، هل على مرور خمسة أعوام عجاف عادت بها عروس الخلافة آلاف السنين الى الوراء؟ أم على انضمامه لحكومة لا تحكم وبرلمان لا يشرّع ؟ هل يهنؤونه على رئاسة برلمان ثلثه يتطلع للانفصال وثلثه يتطلع للثورة وثلثه لا يعلم هل ولاؤه للشرق أم للغرب؟
في الشارقة كان إياد مهندساً وعمل في عديد من المشروعات في مناطقنا وخارجها لانزال نذكره كلما مررنا بها، ولايزال ابن جيراننا يحتفظ بجهاز «صخر» أهداه له المهندس إياد عندما تفوق ذات صف، ولكن هنا نتساءل هل لدى إياد الأدوات اللازمة لإعادة البناء المهدود، وإذا أعاده كما هو فهل سيثق الناس بالسكن فيه؟ واذا سكنوا فيه فهل سيكونون آمنين من المداهمات والقصف العشوائي؟!
هنا في ذات الوقت الذي كان يعانق آباؤنا فيه إياد مرتين في العام لا يتخلف عنها أحد، كانت أخبار المكرمات تتتابع بالإفراج عن المعتقلين وأصحاب المديونيات، فهل سيسعى إياد اليوم لأن يخرج مَن حجزتهم القضبان لأنهم حاولوا أن يقولوا لا للنظام العالمي الجديد؟
أكثر ما أحزنني هو أننا لن نرى «عادل إمام» السياسة العراقية الحديثة محمود المشهداني الذي كان الابتسامة الوحيدة في مشهد يضج بالدماء، ولاتزال قفشاته الأعلى مشاهدة على مواقع اليوتيوب.
سامراء مدينة عريقة يحج إليها العراقيون جميعاً إما لتجارة أو لزواج أو لأسباب دينية، فلعلهم يجتمعون الى أحد ابنائها في غفلة من عين! وهي بذلك تختلف حتماً عن اللطيفية والمشاهدة!
* * *
من الجمل التي سجلها التاريخ تلك التي قالها المعتمد بن عباد عندما عرض عليه ألفونسو منصباً في الدولة الأندلسية الساقطة، على أن يعاونه ضد ابن تاشفين، قال له «لأن أرعى الإبل عند أمير المؤمنين خير لي من أن أرعى الخنازير عندك»، إلى هنا ودرس الكرامة والولاء جميل، إلا أن ما يجهله الكثيرون هو أن ابن عباد كان «بياع حجي» ولم يغير من سيرته شيئاً ولم ينصر قومه، فكان أن كانت نهايته وهو يسأل الناس مجهولاً قصياً في إحدى قرى المغرب العربي.