من المجالس

دخل أصحاب نظرية المؤامرة إلى خط الجدل الساخن الذي أثارته حمى أنفلونزا الخنازير. فمسوغات هذه النظرية كثيرة إلى درجة يستطيع أصحابها تسجيل حضورها في أي حفل عرس أو مأتم على وجه الكرة الأرضية. وكل فرضيات هؤلاء المتلبسين بعفريت المؤامرة تقوم على حدوث تدخّل بشري، لأهداف شيطانية، بزرع فيروس الطاعون، باسم جديد، ليضع العالم مرة أخرى على كف عفريت تتعدد فيه طلبات ماسح الإبريق، بين مكاسب مادية، وانتقامات قومية، ونوازع استعمارية. ولا تعدم عند هؤلاء الأمثلة، كفيروس الإيدز، والجمرة الخبيثة، والانفلونزات الطائرة والزاحفة وتلك التي تمشي على أربع.

وإذا كانت كل هذه الأقاويل قد فشلت في إثبات فرضياتها بالدليل القانوني أو البرهان المخبري، فإنها لم تبتعد كثيراً في نظريتها عن الواقع، مع الاختلاف في النوايا والتوجه.

والقصد أنه إذا كان هناك أي تدخل بشري في حدوث مثل هذه الآفات، صحية كانت أم اقتصادية أو طبيعية أو اجتماعية، فإنه ليس بالضرورة زراعة للأوبئة، أو تدبيراً للكوارث، أو تخطيطاً للأزمات. فالفعل البشري هنا حاضر، ولكنه ليس على طريقة نظرية المؤامرة المحاكة في غرف التخطيط السري، وإنما هو فعل التطاول على الفطرة، والاعتداء على الطبيعة، فيميل ميزان عدل السلوك البشري إما لأنانية، أو طمع، أو تنافس غير شريف. وعندما يحدث كل ذلك فإن الشر يعم وربما الخير يخص، على حد قول الأولين.

وأنفلونزا الخنازير، كما أنفلونزا الطيور ومرض الإيدز، وكذلك اشتداد حرارة الأرض، وحدوث الأزمة المالية العالمية.. كلها وغيرها إنما هي نتاج فعل الإنسان عندما وصل به الغرور إلى حد الاعتقاد بأنه أصل الكون فإذا به يكتشف أن كل أدواته ووسائله التي أوصلته إلى هذا الاعتقاد لا تستطيع أن تقمع زكاماً، أو توقف خسائر اقتصادية صار يجر بعضها بعضاً كأحجار الدومينو.

إنه التآمر البشري على الذات ولكنه من دون نظريات.

 

adel.m.alrashed@gmail.com

الأكثر مشاركة