«آخر المحارزة»
غيّب الموت في الأسبوع الماضي الشيخ أحمد بن سيف بن سعيد المحرزي آخر أمراء منطقة مسافي حاضنة الجبل ونقطة الوصل الرئيسة بين الأجزاء الساحلية والأجزاء الجبلية من أراضي دولة الاتحاد..
رحل (أبوسيف) قبل أن تتحقق أمنيته برؤية عودة اللون الأخضر الى مسافي وما حولها من القرى مثل اعسمة ودفتا وغيرهما، حيث لم يمهله القدر ولا جشع أصحاب مصانع المياه المعدنية الذين أصبحوا بعوضاً حقيقياً في جسد البيئة الطبيعية في الدولة، يمتصون المياه من أرض تعد الأفقر بالنسبة لموارد المياه الطبيعية في العالم لبيعها في كل دول العالم بما فيها دول أوروبا والبلقان والتي تعد الأغنى بالثروات المائية..
أسماء المياه التي تغتصب من أراضي المنطقة الوسطى والشرقية أصبحت ماركات تجارية يعرفها القاصي قبل الداني، بينما قرى المنطقة التي كان أهلها يفتخرون بأنها «بيروت الحيور» كما يحلو لهم تسميتها تعاني من قسوة الجفاف التي تزداد في كل موسم، وأصبح المنظر المؤلم للمزارع والجنان الخاوية على عروشها على جانبي الطريق من سوق الجمعة الى دبا الحصن عادياً بعد أن اعتاد الجميع رؤيته.. وبعد أن أقنعهم أصحاب المصانع بأن السبب هو التغيرات المناخية.. بينما تقدم المياه الجوفية في عبوات أنيقة وزجاجية في كبرى المطاعم العالمية التي تقع على بحيرات من مياه حلوة.. فأي منطق معكوس وأي وضع مقلوب هذا..؟
غصة أبوسيف رحمه الله وأهالي المزارع وسكان الجبال لم تكن فقط بسبب تسرب الثروات القومية ومنحها من الذي لا يملك الى الذي لا يستحق، ولكن لأن شركات المياه أيضاً لم تؤد الحد الأدنى من منح الحقوق لأهالي المناطق، فشركات الكسارات برغم الازعاج والتلوث وغيرهما إلا أنها حاولت (على الأقل) التعويض بطريقة أو أخرى، أما شركات المياه فلم يحصل الأهالي منها حتى على رعايات لفرقهم الرياضية.
في دراسة للدكتور إبراهيم عبدالرحمن إبراهيم في كلية الزراعة بجامعة الإمارات ذكر أن نصيب الفرد من المياه الجوفية عام 1975 كان 28 غالوناً يومياً ارتفع في عام 1995 إلى 62 غالوناً ووصل في عام 2005 إلى 95 غالوناً، وسيصل - بحسب الدراسة - في عام 2010 الى 119 غالوناً، فبالله عليكم من منكم يستهلك 119 غالون مياه شرب يومياً إن لم يكن يحب الاستحمام بها مثل مايكل جاكسون أو إن لم يشاركه فيها (ماي ماي) المقيم في شنغهاي وسيرجي سيفونوف المقيم في سان بطرسبيرغ؟!
* * *
لدى سكان الجبال مثل قديم يقول: «دنياي باكملها لو في ظل أشجره // وربي يعمر داري في بيت الآخره».