العودة إلى طفولة القراءة

إن الإقبال الأدبي من لدن الكتاب والروائيين في الذهاب نحو الينابيع السحرية والاسطورية الغارقة في الترميز، وانهاض الخميرة الروائية الأولى فيها ومحاولة صياغتها في رواية ابداعية مقروءة، وأن يقبل القارئ المعاصر على هذه الكتابات بوَلهٍ قرائي منقطع النظير، يقودنا إلى الاعتقاد بأن القراءة عالميا بدأت تذهب نحو طفولتها الأولى، ونحو ذاك الهاجس الساحر الذي يقدح مخيال القارئ باتجاه طفولته الخصبة، وبالمشهدية التي كانت ترتع فيها مثل هذه الطفولة. إن رواية مثل «هاري بوتر» لاقت مثل هذا الإقبال العالمي إلى الدرجة التي يذهب فيها القراء إلى باب المطبعة في الثانية صباحاً، من أجل الحصول عليها طازجة من فم المطبعة، يجعلنا نسأل عن السر الذي يجعل هذه الرواية تترجم إلى معظم لغات العالم، فضلاً عن تحويلها الى فيلم سينمائي.

ومن يقرأ رواية «الخيميائي» للروائي باولو كويلو، ويعرف أنها تقوم على رحلة لرجل، تبدأ من الصحراء المغربية وتنتهي عند قبور الفراعنة وأهرام مصر، وهو يبحث عن كنز حتى يجده. وربط الحكاية بموروثنا الأدبي في حكايات ألف ليلة وليلة، وما في هذه الحكايات من سرد يرتبط بسحر الكلام والأسطورة. ويعرف أيضاً الأرقام الفلكية التي حصلت عليها هذه الرواية في التوزيع عالمياً وفي الترجمات إلى أغلب لغات العالم. يتأكد من الإقبال الطفولي في القراءة عالمياً.

ومن جانب آخر، نجد إقبالاً منقطع النظير من القراء في العالم باتجاه القصص التي تأخذ الطابع البوليسي الغارقة بالرموز التي تحتاج إلى تفكيك من القارئ. فالألغاز التي كانت سائدة في روايات بوليسية عالمية، مثل مغامرات «أرسين لوبين» و«شارلوك هولمز»، صارت تتبدى في روايات أدبية، مثل رواية «شيفرة دافنشي» للأميركي «دان براون»، أخذت هي الأخرى مساحة هائلة في النشر والتوزيع والترجمات إلى لغات العالم قاطبة. وتصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم منذ صدورها.

وربما هذا الاقبال هو ما جعل هذا التوجه يتعمق عند «دان براون» نفسه بأن يستعد لإصدار رواية جديدة بعنوان «الرمز المفقود»، والتي سيكون بطلها على الأرجح هو المحقق ذاته «روبرت لانغدتون»، بطل رواية «شيفرة دافنشي». والمعلومات الأولية عن الرواية تقول إنها ستدور حول «الماسونية»، وأن دار النشر تستعد لإصدار عدد ابتدائي من الرواية، يبلغ 6.5 ملايين نسخة.

هذا العدد الفلكي من الإصدار الأول للرواية القادمة لـ«براون» يؤكد أن القارئ العالمي ذاهب لا محالة نحو المناخات الترميزية الجاذبة لدهشته. وإذا تذكرنا قائمة الشكر التي قدمها براون لمساعديه في إصدار روايته «شيفرة دافنشي». وهذا يحيلنا إلى القول إن هذا النوع من الكتابة يحتاج إلى فريق كتابي يمكن أن يكون شريكاً حقيقياً في عملية الكتابة الروائية، وذلك بسبب المعلومات التي يحتاجها الكاتب في تدوين روايته.

وإذا ظلّ القارئ يذهب بهذه المغنطة الجاذبة نحو العوالم الطفولية التي صارت تكتنف الأجواء الروائية، فاننا سنلحظ في السنوات المقبلة أن الرواية الحقيقية، تلك الرواية التي أوصلت الفن الروائي إلى هذا المستوى الراقي في الكتابة، وقد بدأت بالأفول والغياب تحت سطوة صرعات الرواية الجديدة وتسليعاتها.

 

khaleilq@yahoo.com  

الأكثر مشاركة