«طاخ»
«طاخ» كلمة بسيطة أو ربما صوت من ثلاثة أحرف، محلياً يطلقه المستمع كنوع من الاستهجان لكثرة الكذب والتنقيع الذي يجود به المتحدث، وقد تطور اللفظ الى «بوم»، «صاروخ»، «نقع الشلق»، وغيرها من المصطلحات التي لم أجد لها أصلاً خصوصاً أن استخدامها سبق كذبة من إحدى الدول في انها أطلقت صواريخ حديثة يصل مداها لكوكب فيغا، واتضح أنها اطلقت بواسطة الفوتوشوب، كما أن استخدام المصطلح سبق تصريحات تل أبيب بوفاة سبعة مستوطنين فقط جراء صواريخ صدام التي هدّمت عشرات المباني.
إلا أننا هنا لن نسرد المواضع التي قلنا فيها «طاخ» ولكننا سنسرد تلك التي كان يجب أن نقولها فيها ولم نقلها، وقد بدأت في مطلع القرن، ولا أقصد هنا المجاز في التوقيت، بل هو مطلع القرن بالدقيقة والثانية والنانو، عندما ضج العالم الغربي علينا بأننا غير مستعدين لما عرف في حينه بـ«علة القرن»، وأن الذي سيتصل في مطلع العام ستصله فاتورة بأنه استخدم هاتفه لمدة قرن من الزمان وسيحصل خلط ولبط وستتوقف الأجهزة وينهار النظام الالكتروني، وركبنا الموجة مع الراكبين ودفعت شركاتنا ومؤسساتنا الملايين، وتم الحصول على وظائف بأسعار فلكية للـ«خبراء الأجانب» في هذا المضمار، وانتهى عام 99 وأقبل العام الجديد من دون أن تتعطل أجهزة الذين لم يصرفوا مليماً واحداً فوق المعدل، وأخذ الآخرون «البمبة» وذهب الخبراء أهل الدثور بالأجور، ولاحظ هنا أن مطلع القرن كان به وضع اقتصادي غير منتعش نوعاً ما.
وهبطت الأسهم مرة أخرى قبل أعوام عدة ففوجئنا بأننا من أجهل مناطق العالم بأنفلونزا الطيور وأنه كان علينا استقدام خبراء آخرين وتشكيل لجان برئاستهم وشراء مئات آلاف المضادات، واعدمت جاراتنا كل «دجاج الخن» و«حمام الزريبة» واعتمدن على المستورد وانتعش اقتصاد المصدرين، وراحت الموجه ولم يصب طفل والحمد لله بأنفلونزا عادية، وبالطبع لم نقل «طاخ».
ومرة أخرى قبل عامين جاء الـ«سارس» وجاء الخبراء معه هذه المرة في الطائرة نفسها من دون أن نوجه الدعوة لهم، وطرحوا نظرياتهم وباعوا بضاعتهم المزجاة، وسمعنا واشترينا، ثم اتضح أن عدد المواطنين الذين يقضون في حوادث على الطرق السريعة يبلغ آلاف أضعاف ضحايا «سارس» في الدولة لسبب بسيط هو أنه لم يكن له أي ضحايا غير جيوب بعض الخزائن المحتاطة دوماً بالطبع.
الآن هناك جهات تجهز سدنتها وكهانها الذين يحسنون التعامل مع انفلونزا الخنازير لإرسالهم لنا، وعلينا بسبب الأزمة العالمية أن ننفحهم رواتب وامتيازات تكفيهم حتى تنقشع هذه الأزمة ـ الاقتصادية لا الخنزير ـ وتضمن لهم ولأبنائهم حياة كريمة، فهل من رجل يقف ويقول لدراساتهم ونبوءاتهم «طاخ».
❊❊❊
استغربت من أحد التجار الأجانب، الذي كان يصر في أحد المجالس على أن انفلونزا الخنازير ستشنع بضحاياها وسنرى الجثث ملقاة هنا وهناك، وأن الفيروس قادم لا محالة، وعندما بدأ النقاش التوعوي الطبي بشكل منطقي اتضح أن صاحبنا لديه وكالة استيراد «كمامات صحية»، والسالفة والله صدق و«لحّد» يقول «طاخ».