من المجالس
الأدوية.. باب واسع لدخول الأمراض المزمنة والخطيرة. فالدواء يصبح سمّاً زعافاً إذا تُرك لطلاب «البيزنيس» ومتصيدي الفرص لجمع الثروات وإن كان من أعمار خلق الله وصحة أبدانهم. والتحقيق الذي نشرته «الإمارات اليوم» يوم السبت الماضي، حول الإفراط في صرف الأدوية لم يكن اكتشافاً، ولكنه كان دقاً لجرس الإنذار، وإن شئت، إعادة لدق الناقوس الذي طالما حذّر منه المخلصون في القطاع الصحي، والناقلون من أهل الصحافة والإعلام.
في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد تطبيق نظام التأمين الصحي، انهمك الكثير من أطباء القطاع الخاص، في إطالة الوصفات الطبية التي يكتبونها للمرضى، ومضاعفة جرعات الأدوية التي يقدمونها لهم. وتطور التوجه بشكل مقلق كشفته فواتير هذه الوصفات الطبية التي صارت تحاكي آلاف الدراهم بعد أن كانت تراوح في العشرات. وإذا أحسنّا الظن، قدر استطاعتنا، فإننا سنضع أهداف هذا التوجه الخطير في إطار البحث عن مضاعفة الأرباح، ولكن حسن الظن هذا لا يبرّئ هذا السلوك، المبني على سياسة، من أخطار الإفراط في صرف الأدوية للمرضى على الصحة قبل الجيوب. فأقل الضرر يمكن أن يتمثل في شفط المزيد من الدراهم، من خزائن شركات التأمين أو من جيوب المرضى. أما الضرر الحقيقي فيطال الصحة العامة .. صحة الناس وصحة المجتمع بكل ما يعني ذلك من ارتباطات بالحاضر والمستقبل.. بالموارد البشرية، والموارد المالية العامة. كانت الشكوى دائمة من تلاعب العديد من أطباء ومراكز القطاع الخاص في وصف الدواء للمرضى ومبالغتهم في زيادة الأدوية المطلوبة وغير المطلوبة.
ولكن بعد تطبيق التأمين الصحي طالت الوصفات، وزادت المبالغة في وصف الأدوية بشكل يفوق الحاجة إلى درجة الضرر، ويهدد بتطور حالات الكثير من الأمراض من البسيطة والمتوسطة إلى الخطيرة والمزمنة وربما الخبيثة. والسبب أن كل شيء في حياتنا قد أصبح عبداً للطمع، والكثير من القيم تقاس بمعايير التجارة والشطارة. تحرك شركات التأمين سببه الحفاظ على أرباحها والدفاع عن ميزانياتها، وأما الحفاظ على الصحة العامة والدفاع عن عافية المجتمع فهو مسؤولية نتمنى أن تدفع السلطات الصحية للتحرك سريعاً لوقف تسميم المرضى تحت طائلة العلاج.