القابلية للاستعمار

حين يشخص الدكتور وجيه فانوس واقع النقد الثقافي العربي، فإنه لا يؤشر بقدر ما يضع يده على واقع التغير السريع الذي يجتاح العالم، إلى درجة يكاد ينتفي معها ما تعود الناس على اعتباره ثابتاً أساسياً في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، بل حتى في الفكر والثقافة.

وحين يدعو هذا الدارس إلى وجوب اعتماد منهج فكري قادر على فهم حركية العصر والاسترشاد بالماضي، لما له من ارتباط عضوي بمفاهيم الانتماء والهوية والوجود، تجيء هذه الدعوة في مكانها، لأنه يأخذ في الحسبان أن إدوارد سعيد في نقده الثقافي فرّق بين ثلاثة موضوعات في المقاومة الثقافية ضد الاستعمار. الأول هو أن ينظر إلى تاريخ المجتمعات، باعتبارها كلاً متكاملاً وليست أجزاء يقف كل جزء منها مستقلاً عن الآخر. والثاني، هو أن المقاومة تتجاوز مجرد كونها رد فعل سلبياً ضد الإمبريالية، لتشكل مسعى إلى تدمير العوائق بين مختلف الثقافات. والثالث في أن السعي إلى التخلص من روابط الانعزالية القومية يشكل تحقيقاً لنظرة تؤكد شمولية انتماء الإنسان للإنسانية قاطبة، وسعيه الدائم إلى تحريرها من معوقات وجودها. كما يأخذ في الحسبان أن النقد الثقافي عند عبدالله الغذامي تأثر بما يعرف في الثقاقة الغربية المعاصرة بالنقد الجديد، وهو النقد الذي لا يسعى إلى إصدار أحكام القبول والرفض والتوجيه، بقدر ما ينشد إلى فهم القضايا التي ينظر فيها والكشف عن مكنوناتها وطبيعة تفاعل هذه المكونات في ما بينها، لتصل بالقضية إلى ما وصلت إليه، مبيناً أن جهد الغذامي مثلاً لا يقوم على قواعد مسبقة وأصول مثالية متفق عليها، بل يقوم على قراءة موضوعاته عبر العالم والمنطق والتحليل، لفهم آلية الفعل في هذه الموضوعات.

وحين يتطرق فانوس إلى النقد الثقافي عند هشام غصيب، يرى أنه تشكل لمواجهة صراعات الغائية، مؤشراً على أن غصيب يرى أن المثقف العربي الذي يصنع الفكر والثقافة استقال في الواقع وهمش، فإذا به في هوة عميقة تفصل بينه وبين الشارع من جهة، وبينه وبين السياسة أيضاً.وعلى الرغم مما يحظى به إدوارد سعيد وكذلك الغذامي وغصيب من اهتمام، يبقى اللافت في قراءات فانوس للنقد الثقافي العربي أنها تتوقف كثيراً عند النماذج التي قدمها مالك بن نبي، معتبراً أنه أول من لاحظ أن سبب الانحطاط في العالم الإسلامي، ومن ثم العربي، لا يعود إلى الاستعمار، بل إلى القابلية للاستعمار، وأول من ووزع المسؤولية على هذين العاملين توزيعاً منصفاً، إذ قال إن الدهاء والمكر والخداع من نصيب الاستعمار، وإن الدناءة والخبث والخيانة من نصيب القابلية للاستعمار.

وبناء على هذا، وتحت ظروف هذا الاستنتاج، يظهر فانوس وكأنه يدعو إلى إعادة قراءة مالك بن نبي ومراجعة كتاباته مرات ومرات، من أجل تأكيد أهمية أبحاثه، ولأنه بحسب نقاد كثر قد مثل هذه الفكرة، وامتلك تعبيراً عن رؤية منهجية واضحة، أدركت أن أزمة الأمة تكمن في أننا لم نفهم بعد أن الحضارة إبداع وتميز، وليست تقليداً وتبعية، كما أننا لم نفهم أنها لا توهب أو تشترى أو تستورد.

 

zeyad_alanani@yahoo.com

الأكثر مشاركة