يا جماعة الخير

مصطفى عبدالعال

اقترب المغرم من الحرمة المُحرمة التي سافر خلفها إلى مكة المكرمة بعدما ترقبها حتى بدأت تطوف كاشفة وجهها للإحرام، وبدأ الحديث بأسلوبه المتمرس على التدرج في رمي الشباك حتى يصل إلى المغازلة وبث الأشواق! إلا أنها فهمت بغريزة الأنثى ما يصبو إليه، فقطعت عليه الطريق بقولها: أيها الطائف مهلا، فالناس يأتون من كل فج عميق إلى هذا البيت العتيق محملين بأوزارهم لتحط عنهم هنا!، فمن أتى ليحمل هنا الأوزار أين يذهب لتحط عنه؟ ولصدقها مع نفسها ومع ربها أضفت قدسية المكان وجلاله على كلامها هيبة أرعدت هذا المتعدي فخرج من الحرم تشيعه لعنات السماء.

بهذه القصة بدأ المعتمر الكلام مع رفيقه حين رآه لم يغير عادة من عاداته السلوكية وهو محرم - أو وهو في الظاهر والشكل محرم - ثم قال له لما رآه يغازل في الهاتف: أرأيت لو أنك في قصر صاحب السمو وحدك أو ضمن جماعة وفي حضرة سموه، واتصلت بك صديقتك هذه لتبثك لوعتها لغيابك عنها وتتواصل معك في مغازلتكما، هل ستصرف النظر عن صاحب السمو وهو ناظر إليك لتتواصل معها؟ فأجاب الرفيق: وهل هذا سؤال؟ كلنا بطبيعتنا نجل صاحب السمو، واحترامه شيء فطري فينا. قال صدقت، ومن يعرف لأصحاب الفضل في الدنيا فضلهم ويعبر بسلوكه عن تقديرهم كيف في بيت الله الحرام بحرمته وكعبته وهيبته يغيب عنه أن رب البيت معه يسمع ويرى؟ قال: كلا كلنا يعرف ذلك فقال: المعرفة شيء والمعايشة شيء آخر تماماً! فمن العجب أن نسمع في الحرم بل وفي عرفة يوم الحج من مكالمات غرامية؟، ولا ينتبهان هداهما الله إلى أن مكة تتضاعف فيها الحسنات والسيئات إلى 100 ألف! لماذا إذاً أتعب هذا المعتمر أو الحاج نفسه وأتى إلى البيت ليحمل أوزاراً؟ ما دام على هذا الحال كان الأخف عليه أن يفعل ما يفعل بعيداً عن الحرم وحرمته. قال الرفيق: والله يا أخي أعرف كثيراً من الأصدقاء لا يمر علينا شهر إلا ونحن هنا في رحلة ضمن سلسلة رحلاتنا في كل دول العالم فلماذا نضيق على أنفسنا ونتزمت؟ قال: ولكن سلوكياتهم حقاً لا تختلف في مكة عن غيرها؟ قال نعم السوالف نفسها، المعاملات نفسها مع البائعات بما فيها من رمي الشباك والنكات. قال المعتمر: يعجبني فيك صدقك مع نفسك وهذه تقرب المسافة في التوبة من الذنوب، وحتى لا نظلم الرجال فكثيرات جداً من أخواتنا يأتين ويطفن ويسعين ويسهرن ويتسوقن بالعادات نفسها، ونصف الشعر مع جزء من الرقبة والنحر ظاهر ظهور إشارات المرور في الطرق المزدحمة، هي هكذا في طبيعتها ولم تتأهب لهيبة الكعبة بأي تغيير أو بادرة إعلان عن التقرب بالأفعال إلى رب البيت. ما انتبهن للحديث الشريف (أَيمَا امْرَأَةٍ تَطَيبَتْ ثُم خَرَجَتْ إلى الْمَسْجِدِ لم تُقْبَلْ لها صَلَاةٌ حتى تَغْتَسِلَ) لأن المجال للعبادة وعدم إثارة العابدين من الرجال وعدم التباهي بالفتنة أمام العابدات.أريد أن أسأل: لماذا هؤلاء الأخوات عموماً وحتى في المساجد يدخلن بغطاء الشعر منسدلاً من دون إحكام وبين دقيقة ونصف الدقيقة التالية يرفعنه في الهواء عالياً، في إظهار للشعر بدعوى إعادة إحكامه على الرأس؟ وأجاب: لا أظن السبب أنهن نسين إحكامه قبل الخروج، بل هي العادات من دون أن يفهمن معنى العبادات.. عموماً شرط النبي لقبول الحج - والعمرة مثله- شرطين فقال (من حَج لِلهِ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمهُ ) فهل فهمت لماذا أصحابك يأتون كل شهر للعمرة دون أن يخرجوا بشيء ؟؟

 

المستشار التربوي لبرنامج« وطني»

mustafa@watani.ae

تويتر