صحافي ووزير.. في اليابان!
ما فعله صحافي ياباني، هو ضرب من الخيال والجنون في منطقة مثل العالم العربي، من دون استثناء أي من دوله، بما فيها الإمارات، ونتائج فعل مثل تلك الفعلة قد تتجاوز بشكل كبير مسألة تعنيف الصحافي بشدة وبقسوة.
ففي اليابان كان ذلك الصحافي على ما يبدو «سهران» لكتابة موضوع ما، وشعر فجأة بأن قصته لن تكتمل إلا بسؤال الوزير المختص عن بعض التفاصيل، فقرر الاتصال بالوزير المعني لأخذ المعلومات المطلوبة، ولا أعرف بالدقة والتحديد إن كان ذلك الصحافي قد نظر إلى ساعته قبل الاتصال بمعالي الوزير أو لم ينظر، فعلى ما يبدو أن ذلك ليس مهماً كثيراً في نظره، مقابل أن يكتب قصته بنجاح، إلا أن الخبر يقول إن الساعة كانت تشير إلى الرابعة فجراً بالتوقيت المحلي الياباني!
لن أختلف معكم كثيراً «قولوا اللي بتقولونه» عن هذا الصحافي: معتوه.. مجنون.. ثقيل دم.. قليل أدب.. «ما يستحي».. معكم الحق في كل ذلك، فمن غير المقبول أن يتجرأ صحافي ليطلب وزيراً في الساعة الرابعة فجـراً!
لكن لماذا نعطي لأنفسنا حق الإجابة نيابة عن الوزير؟ ولماذا نتبرع بتصور ردة فعله وفقاً لعقليتنا نحن؟ لماذا لا نرى كيف تصرف الوزير الياباني عندما قام من نومه «مذعوراً» على صوت «صياح» هاتفه النقال، ومن حقه أن يرتعد خوفاً وذعراً، فهاتف الوزير عندما «يصيح» فجراً، فإنه لن يكون الوحيد الذي سيفعل ذلك بالتأكيد، و«أفضل» خبر يمكن أن يسمعه وزير في هذا الوقت، هو خبر «تنحيته» عن منصبه، فما بالكم بأسوأ ما يمكن سماعه في مكالمة هاتفية لم ينتظر صاحبها شروق الشمس حتى يتصل!
عموماً وزيرنا الياباني لم ينفجر في وجه الصحافي، ولم يلعن «أبو سلسفيله»، ولم يهدده بالسجن أو الجلد أو الإبعاد، ولم يشتم الصحيفة على الصحافة على رئيس التحرير، لم يفعل أي ردة فعل «طبيعية» قد يفعلها أي منا، لكنه أجاب بكل هدوء عن أسئلة ذلك الصحافي، وطلب منه إمهاله دقائق بسيطة حتى يفتح «كمبيوتره» الشخصي، ويزوده بمعلومات أدق، فعل كل ذلك وشكر الصحافي على اهتمامه ثم أكمل نومه!
الصحيفة اليابانية نشرت القصة، ونشرت المعلومات التي أدلى بها الوزير، مع شكر خاص له على موقفه المشرّف، ولاقى هذا الفعل ترحيباً واسعاً من المجتمع الياباني بأسره!
طبعاً لا يعني ذلك أني أشجع الصحافيين على الاتصال بالوزراء والمسؤولين في مثل هذا التوقيت، فلا يمكنني أن أضمن لهم ردة الفعل، كما أني لا أضمن لهم الحماية من قبل جمعية الصحافيين إن تعرض أي منهم للعقوبة، لأنه باختصار لن يقف أحد معهم في موقف كهذا!
لا أقصد ذلك أبداً، لكننا في هذا الجزء من العالم، لا نجد المسؤولين في أوقات الدوام الرسمي، فهم دائماً مشغولون وفي اجتماعات رسمية «متواصلة»، والأهم من ذلك لا اكتراث أو اهتمام بالصحافة فهي مطلوبة فقط للكتابة عن نتائج تلك الاجتماعات ونشر الصور والتلميع، أما إن تجرأ صحافي للاتصال بمسؤول خارج وقت الدوام فإنه سيجد تعنيفاً، واتهاماً بانتهاك الخصوصية، وغير ذلك الكثير والكثير.
خبر الصحافي والوزير اليابانيين، ليس عادياً أبداً، وهو يكشف الفرق الشاسع بين تقدير عمل الآخرين، والإيمان بأهمية الصحافة في تنوير المجتمع، وبين النظر إلى الصحف باعتبارها إدارة تابعة لدائرة أو وزارة أو مسؤول. الفرق بين الصحافي عندما يكون صحافياً، وعندما يكون موظفاً عند المسؤولين.. في صحيفته!