من المجالس
إعلامنا المرئي بحاجة إلى مراجعة، في الشكل والمضمون. مراجعة في الأولويات، وتحديد المعايير. فأغلب قنواتنا التلفزيونية تحمل اسم الدولة أو الإمارة، ولكنها لا تحسن تقديم الدولة وعرض الإمارة أو المدينة. وفي قضية الهوية الوطنية تكاد تكون هذه الفضائيات نائية بنفسها مسافات بعيدة. وفي قضية المواطنة يبدو إسهام هذه القنوات ضعيفاً وغامضاً ومن دون أدوات. الشيلة على رأس «بعض» المذيعات ليست قياساً لحضور الهوية الوطنية، وتطعيم الأطقم الفنية العاملة بقليل من المذيعات والمذيعين المواطنين لا يكفي لتأكيد الوطن والمواطنة، وتخصيص نشرات إخبارية للأحداث المحلية مرة أو مرتين في البث اليومي لا يعني أن هذه القنوات قد اجتازت التصنيف لتكون قنوات محلية وطنية بامتياز. قنواتنا التلفزيونية عادت في الفترة الأخيرة لتلامس أطراف الهوية والوطن من خلال ما سبق، ولكنها لاتزال عاجزة عن الانغماس في المفهوم لتكون الإمارات مرسومة في قلبها وعلى قوالبها بكل تفاصيلها، وتضاريسها، وجغرافيتها وتاريخها، ومدنها وأحيائها، ويوميات أهلها وسكانها، وإنجازاتها، ومؤسساتها، واحتياجاتها. وفي المقابل فإن أغلب هذه القنوات المحلية تبدو محتارة غير مختارة، والصورة لديها غير واضحة والأجندات غامضة. فهي بين الرغبة في تلبية مطالب المجتمع والوطن، وبين محاكاة القنوات المرخصة في مدن أوروبا والتي تخلط المالح بالحلو بحجة التعاطي مع كل الأذواق وتضع الإعلان التجاري على رأس أولوياتها وإن أصبحت بمثابة سلاح هندسة للقيم والسلوكيات والثقافات الغربية والغريبة. فتخرج علينا إما ببرامج مسابقات مستنسخة أو سباقات وسهرات غنائية لا طائل منها غير اللهو وتخصيص أموال طائلة لو صرفت في برامج أخرى لجعلت من الوطن لوحة إعلامية يصل شعاع ألوانها الزاهية إلى كل عين، وترسخ في كل ذاكرة. قنواتنا التلفزيونية بحاجة إلى وقفة. والوقفة من أجل الوطن والهوية والمواطنة. وقفة تعيد ترتيب الأولويات، وتراجع المصروفات، وتنظر في خرائط المعروض والدورات البرامجية. وكل هذا لا يمكن أن يتحقق إذا كان «البيزنس» هو أساس العملية، ولا رجاء منه إذا لم توضع مفاتيحه في أيدي «عيال البلاد».