النسب المئوية والأرقام..
يعتمد كثير من مسؤولي القطاع العام وحتى الخاص، على النسبة المئوية في تصريحاتهم لإثبات حقيقة معينة أو التأكيد على خبر ما.. ولعل أسهل جواب قد يعطيه مسؤول هو ذلك الرقم الذي يسبق النسبة المئوية عادة، وفي الغالب تكون هذه النسبة تقديرية.
الاعتماد على النسب المئوية مسألة غير دقيقة إطلاقاً، بل مضللة، والنسبة المئوية لا تعكس الحقيقة في غالب الأحيان، ربما تكمن أهميتها الوحيدة في إيجاد بعض المؤشرات، لكن هذه المؤشرات لا يمكن الاعتداد بها في كثير من الأمور والقضايا.
المتتبع للأخبار اليومية سيقرأ ويسمع كلاماً من نوع، انخفاض الأسعار بنسبة 50٪، أو انخفاض الإيجارات بنسبة 20 إلى 50٪، زيادة أعداد كذا 70٪، وتأثر السوق 30٪ بسبب كذا!
الأغرب من ذلك هو التحدث عن المستقبل، والخطط المستقبلية بطريقة الحديث عن الحاضر أو الماضي نفسها، فنسمع مثلاً توقعات بزيادة نسبة الطلاق 15٪، ارتفاع أعداد المتقدمين لطلبات الإسكان 60٪، أو ارتفاع أعداد السياح 13٪.
لن نختلف كثيراً إن كان ذلك مرتبطاً برقم حقيقي مثبت مستخلصة منه نسبة معينة، مثل ارتفاع حالات الزواج المسجلة العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، لكن كيف يمكن أن نقتنع بنسبة معينة تتحدث عن أمر مستقبلي غير مربوط برقم حقيقي مثبت!
هناك استسهال واضح في ذكر النسب المئوية على الرغم من كونها مضللة كما ذكرت، فعلى سبيل المثال عندما تبيع وكالة سيارة ما 10 سيارات في سنة، ثم تبيع 15 سيارة في السنة التالية، فإنها تعلن عن ارتفاع المبيعات بنسبة 50٪، وعندما نسمع مثلاً عن ارتفاع جريمة القتل أو الاغتصاب مثلاً بنسبة 30٪ خلال عام واحد في إمارة أو مدينة فإن الخبر يقذف الرعب في النفس، لكن عند تحويل النسبة إلى أرقام نجد الأمور تسير في الإطار الطبيعي وفق لغة الأرقام التي تعتبر أدق وأفضل!
التحدّث بالأرقام مسألة دقيقة جداً في كثير من دول العالم وخصوصاً تلك الدول ذات الاقتصاد الضخم أو المدن الصناعية والتجارية، وعندما يعلن عن رقم معين فإن الجميع يتأكد تماماً أن هذا الرقم حقيقي ودقيق وغير قابل للتشكيك، لأنه وبناءً على هذه الأرقام تجرى الدراسات، وتكتب البحوث، وتوضع السياسات، وتعتمد الميزانيات، يعني بكل اختصار تدور عجلة الحياة بالاعتماد على الرقم، وهذا سبب مباشر للتطور ونجاح الخطط والاستراتيجيات قصيرة وطويلة الأمد.
وفي مجتمع مثل مجتمع الإمارات، فإن الاعتماد على النسب التقديرية مثلاً في الأمور الصحية أو الاجتماعية سيجعلنا نرتعب ليل نهار، فقلة عدد المواطنين تجعلهم يحتلون دائماً المراتب العليا والأولى في كل شيء، بدءاً من نسبة الإصابة بالأمراض، إلى نسبة الطلاق، إضافة إلى نسبة الجرائم أو المخالفات أو أي شيء آخر، وهذا شيء طبيعي، فالنسبة تتجه إلى الأعلى عندما ينخفض الرقم الحقيقي، فكيف يمكن بناء خطط وسياسات وفقاً لذلك؟!