احذف «ماسجاتك».. لو سمحت!

مصطفى عبدالعال

جلس الرجل الوقور الذي تجاوز عمره الخامسة والخمسين بين بناته المتعلقات به ومنهن من تحمل حفيدته وهن يحاولن تهدئته وترضيته، وهو أبداً لا يهدأ ثائراً يتطاول على أمهن متهماً إياها بأبشع التهم، وقال إنها اتهمته بالمراهقة والطيش ويؤكد لبناته ضرورة طلاقها لأنها لا تقدر مكانته الاجتماعية ولأنها كلمته بينه وبينها كلاماً جارحاً له، وهو صبر عليها حتى فاض الكيل وأردف: أنا الذي يحترمني الكبير والصغير تجرؤ هذه المختلة أن تتهمني بأني أعاكس فلانة وهي من دوركن؟ والأم لا تفعل صامتة في المجلس غير البكاء، وإذا بابنتهما الكبرى تنفعل قائلة كيف يا أبي هذا؟ ما سمعنا منها عمرنا كلاماً كهذا أو أي مذمة فيك، وراحت الأم تربت على كتفه بيد أمٍ تريد أن تجبر بخاطر بناتها، ولكن نظرتها فيها آهة مكتومة، وإذا به يرفض يدها ويتمادى في انفعاله ويرفع الصوت بإهانتها حتى سقط الرجل على الأرض في نهايةٍ مأساوية للمشهد الأسري ويفقد الحركة، وعينه على هاتفه الشخصي ويده تحاول الوصول إليه حتى راح في غيبوبة. ارتبك الكل وطلبن الطبيب والإسعاف وفي المستشفى عرفوا أنها جلطة دماغية والأمر بيد الله. بعد مداولات أصرت ابنته الكبرى على المبيت معه لتكون تحت قدميه إذا أفاق، وانصرف الكل على وعد بالتقاء في الصباح. ولما نفدت بطارية هاتفها وليس معها شاحن وكان لابد من استخدام الهاتف تذكرت هاتف والدها الذي وضعته في حقيبتها ففتحته وأجرت مكالمتها ثم وضعته إلى جوارها. وفي الثانية بعد منتصف الليل قامت من غفوتها على رنة رومانسية من هاتفه ما سمعتها من قبل وفتحت الهاتف، فإذا بصوت جمع فنون الإغراء يعاتب بميوعةٍ عاشقاً توقفت رسائله لأكثر من 10 ساعات وسيل مندفع من كلمات الشوق والغرام لم يوقفه إلا صوت الابنة المفاجئ: مين إنت يا.. فقطع الخط. جن جنونها فأعادت الرقم سريعاً مرات عدة ولا مجيب، فسجلت الرقم عندها وبلا تفكير راحت تقلب في سجل هاتفه بين المكالمات التي لم يرد عليها، والمكالمات المستلمة، والمطلوبة فوجدت الرقم نفسه متكرراً، فذهبت إلى الرسائل فإذا في الوارد والصادر وصندوق الحفظ من الرقم نفسه وغيره رسائل لا يتصور عاقل أن تكون في هاتف هذا الأب الوقور بما فيها من أدلة مصورة ومكتوبة على عدم استحقاقه شرف الأبوة لهؤلاء البنات، ولا أن يكون زوجاً لهذه الأم الرائعة التي ما زادت على عتابه في ما بينهما والتي تحملت عنتريته في إهانتها أمام بناتها. تحجر الدمع في عين الابنة الوفية وبلا تفكير أيضاً دقت رقم أمها: أمي من تلك الملعونة التي عاتبت فيها أبي؟ فسكتت الأم، وكررت ابنتها بالله عليك أهذا رقمها؟ فلما سمعته الأم أجهشت وقالت: كيف حال أبيك يا ابنتي طمـنيني؟ فقالت: كم أنت ملاك يا أمي وأغلقت الهاتف وتذكرت كيف كان والدها في بداية جلطته ينظر إلى الهاتف ويحاول الإمساك به فأحست بمرارة نظرة أمها السابقة على ذاك الموقف فاتصلت بأخواتها جميعاً وتحدثت بلا تحفظ عن الهاتف وما حوى وعن الاتصال وما جرى، فما بزغ أول شعاع بعد الفجر حتى اجتمعن جميعاً في المستشفى ورحن يراجعن معاً ما حدث ويتمنين الثأر لأمهن ولأنفسهن بمجرد أن يفيق وجلسن جميعاً ينتظرن خروج الطبيب من غرفة الإفاقة ليسمح لهن بالدخول، وخرج الطبيب بعد طول انتظار يقول: عظم الله أجركن.

  المستشار التربوي لبرنامج "وطني "

mustafa@watani.ae

تويتر