علاقات جرثومية

ما من وقت تجرثم فيه الفضاء الإنساني وأصبح فيه الأكسجين فاسداً، ويحتمل الشك في الشهيق والزفير مثل هذا الوقت، بحيث أصبحت المصافحة الإنسانية تحتمل وضع القفازات والكمامات كوقاية أولية من تفشي الأوبئة والوقوع في براثن هذا المرض أو ذاك.

وإزاء هذه الكارثة التي بدأت بالتورم من خلال مظاهر جديدة في الأوبئة الطائرة في الهواء ولا تتوقف عند أي حاجز يتبع الجغرافيا السياسية، يجب على الثقافة بشكليها الحضاري والعملي أن تقوم بخطوات اجرائية تقي هذا الكوكب من فساد أوكسجينه.

نعم القصة التي بدأت بمرض الإيدز وجنون البقر وأنفلونزا الطيور وقفزت باتجاه مرض جديد هو أنفلونزا الخنازير، تبدو في حال عدم تمكنها من جغرافيا معينة والتفشي فيها تبدو فكاهية وبعيدة الحدوث، وتغري بالعبور المجاني عليها والاستمرار بمواصلة الحياة. لكن التفاقم السريع في موجة أنفلونزا الخنازير عالمياً وعبوره جغرافياً اكثر من «71» دولة، والإعلان عنه من قبل منظمة الصحة العالمية ورفع درجة خطورته الى المرتبة السادسة. وأن الفيروس انطلق ويطوق الكرة الأرضية بسرعة ونتج عنه اصابة «30» الفاً والوفيات «144». يجعلنا نتأكد من ان الوباء بالغ الخطورة ويستحق وقفة تأملية من قبل المثقفين في العالم والمؤسسات المدنية. لأن افساد أوكسجين العالم بالأوبئة يعني فقدان القدرة على التأمل وفقدان القدرة على التعامل مع الحياة بالكتابة الشعرية أو الروائية او القصصية وسرد التنظيرات المعرفية.

إن المثقف في العالم يعي تماماً بأن ظاهرة الانحباس الحراري وثقب السماء بفتحة الأوزون جاءت نتيجة لاستهتار رأس المال العالمي بفكرة الهواء النقي، تاركاً دخان مصانعه ينفث في الهواء على امتداد الجغرافيا الأرضية ويفسد الحركة التلقائية للهواء ويقلب الطبيعة التلقائية للمناخات المستقرة منذ آلاف السنين ويجعلها فكاهية الى هذا الحد.

ورأس المال العالمي المصاب ابدياً بـ«حكة» الربح على حساب كل القيم الإنسانية هو الذي يقود العالم نحو تصنيع الأسلحة والمتاجرة بها بغض النظر عن ما يمكن ان تتركه بعض الأسلحة المدمرة على هذا العالم. وهو الذي ابتكر الأسلحة النووية المدمرة التي من الممكن أن تحدث ما يشبه القيامة، فيما لو حدثت الاصطدامات الدولية بهذا السلاح. ورأس المال هو من اقترح النفايات النووية التي يحفر لها في باطن الأرض كي تتحول اشعاعاتها الى مادة مسرطنة لخلايا الإنسان. ومن هنا لا نستبعد ونحن نرى المعامل التي تعمل لمصلحة تصنيع الأسلحة الجرثومية على انواعها كافة أن تكون هي السبب في تسريب بعض الجراثيم التي تم تهريبها من قوارير هذه المصانع لتتحول إلى جراثيم تتفاعل مع الهواء الذي نتنشقه وتحدث كل هذه الأوبئة.

إن الفعل الثقافي هو فعل تحضري لا يقتصر دوره على كتابة الأعمال الأدبية والأفلام والمسرحيات ولوحات التشكيل. إن للفعل الثقافي دوره اللوجستي الفاعل والمؤثر إذا وقف بتحدٍ إزاء مثل هذه الظاهرة التي ولدها الجنون الربحي لرأس المال. لقد بات من المطلوب بإلحاح من المثقف الأرضي في أي موقع أن يناهض هذه الجهات التي جرثمت الكوكب وأفسدت أوكسجينه، قبل ان تصبح العلاقات الجرثومية هي العائق الوحيد للعناق والمصافحة.

 

khaleilq@yahoo.com

الأكثر مشاركة