البضاعة المباعة تُسترد..
لطالما استفزت كثيراً منا عبارة «البضاعة المباعة لا تُرد ولا تُستبدل»، التي انتشرت في كثير من المحال التجارية، وطبعت على كثير من فواتير البيع في محال أخرى، ومنبع الاستفزاز هو رائحة التطاول والاستعلاء على الزبون التي تفوح من تلك اللافتة، والتحدي الواضح للقانون من قبل أصحاب المحال في هذه الجملة القصيرة جداً.
ومع أن المشترين يدركون تماماً أن مثل تلك الكلمات لا يمكن أن تكون قانوناً صادراً من جهات رسمية، إلا أن غياب الثقافة الاستهلاكية أسهم في تشجيع أصحاب المحال على وضع قوانين خاصة بهم من تلقاء أنفسهم، لأنهم على دراية وعلم بخضوع المشترين، وعدم تفضيلهم ـ في كثير من الأحيان ـ الشكوى، إضافة إلى فقدانهم ثقافة استهلاكية بسيطة، مثل الاحتفاظ بالفواتير، بل في كثير من الأحيان لا يطلبها المشترون أصلاً من البائع!
إدارات الحماية التجارية في دوائر اقتصادية محلية عدة، وبالتنسيق مع وزارة الاقتصاد، وضعت حداً لأصحاب المحال الذين يرفعون اللافتة سيئة الذكر «البضاعة المباعة لا تُرد ولا تُستبدل»، وتشن الآن حملات تفتيشية على تلك المحال لإسقاط هذه اللافتة التي طالما ظلمت بها هذه المحال المستهلكين، وأجبرتهم على السكوت دائماً وأبداً في حالة ظهور أي عيب واضح في البضاعة المباعة.
الحملة تهدف إلى إعادة الحقوق إلى أصحابها، ونشر الوعي الاستهلاكي شبه الغائب عند معظم أفراد المجتمع، فالعبارة كما أكدت وزارة الاقتصاد «غير قانونية»، والتاجر ملزم برد البضاعة وتسليم قيمتها إذا وجد المستهلك فيها عيباً صناعياً، أو غشاً تجارياً، أو عدم تطابقها مع المواصفات التي طلبها المستهلك عند الشراء، ووفقاً للقانون فإن الوضع الذي يجب أن يسود السوق هو «البضاعة المباعة تُرد وتُستبدل» وما عدا ذلك أمر باطل قانوناً!
ولكن بجانب تطبيق القانون، فالمجتمع بحاجة ماسة إلى مزيد من التوعية الاستهلاكية، وهي مسؤولية تقع على الدوائر الاقتصادية وجمعية حماية المستهلك، وحتى وسائل الإعلام، فكثير منا، إلى اليوم، لا يتأكد أبداً من بيانات أي سلعة يقوم بشرائها، وكثير منا لا يكلف نفسه عناء قراءة أي عبارات أو معلومات مطبوعة على سلعة ما، وكثير منا لا يلتفت إلى معلومات فاتورة الشراء، هذا إن قرر أخذها، أما مسألة الاحتفاظ بالفاتورة، فإنها مسألة صعبة عند الكثيرين كما ذكرت سابقاً.
ومع ذلك فاللائمة لا تلقى بالكامل على المستهلك، فمعظمنا لا يعرف إلا القليل جداً عن قوانين السوق، ولا أعتقد أن قانون حماية المستهلك مفهوم وواضح عند فئات كثيرة من المشترين، ما يعني أن الجميع بحاجة إلى مزيد من حملات التوعية المكثفة، تماماً كما تحتاج السوق إلى حملات ضبط وتفتيش مكثفة.
الحملات التفتيشية التي تقوم بها الدوائر الاقتصادية ليست موجهة ضد التجار، وليست للإضرار بمبيعاتهم، لكنها خطوة نحو إعادة الحقوق إلى المشترين، والتزام التجار بقوانين الوزارة والدوائر الاقتصادية يزيد من ثقة الناس بالتعامل معهم، والثقة بالسوق دائماً ما تترجم إلى مزيد من الإقبال ومزيد من المشتريات التي تشكل في نهاية العام مزيداً من الأرباح!