طابور الجوازات
أسرد لكم قصة من رحلتي الأخيرة إلى ألمانيا حول احترام النظام، فعندما دخلت المطار عند صفوف الجوازات، تجمع المسافرون القادمون خلف شبابيك الجوازات واخترت الوقوف خلف الصف الأخير كونه الأقل ازدحاماً، وتقدمت حتى وصلت إلى الشباك وقدمت جواز سفري إلى ضابط الجوازات.
نظر إلى الجواز باستغراب ثم رمقني بنظرة غضب وقال بإنجليزية ركيكة «ألا تعرف أنك في الصف الخاطئ؟!أ ألا تعرف القراءة؟! أاذهب وقف خلف الطابور الآخر».أ فوجئت بردة فعل الضابط، ونظرت إلى اللافتات أعلى الصفوف الأخرى فوجدت مكتوباً عليها (غير مواطني دول الاتحاد الأوروبي)، بينما كنت أقف في الطابور المخصص لمواطني دول الاتحاد الأوروبي.
وللأمانة فقد فاتني أن أقرأ اللافتة وكل من رأيتهم في هذا الطابور وذاك كانوا من الحُمر والشقر، فلم أنتبه إلى التمييز أو بالأحرى إلى الامتياز الذي قد خُصص لمواطني الاتحاد الأوروبي. وعندما أقول الامتياز لا أتطرق إلى العنصرية بتاتاً، ولندرك أن هنالك حقوقاً وهنالك امتيازات، والفرق بينهما واضح،أ فالحقوق هي مسؤولية يكفلها المجتمع والقانون ويلتزم بها الجميع بغض النظر عن الجنسية، أمّا الامتيازات فيجب أن تحصر ضمن فئات محددة منها فئة الانتماء للوطن.
سحبت جوازي ورجعت أقف في الطابور الآخر وقد ازداد طوله، ولكني لم أغضب بل اعجبت بشخصية ضابط الجوازات ذاك لأنه رجل نظام منضبط، لا يحترم من لا يحترم القوانين، ولا يقيم وزناً لمن يتعدى على حقوق مواطنيه، ولا تنطلي عليه ادعاءات الجهل و«الاستعباط» مثلما تنطلي على الطيبين عندنا وهذا ما أردت الوصول إليه.
فعند رجوعي إلى بلادي، وقفت في الطابور المخصص لمواطني دول مجلس التعاون، وكان أمامي شخصان من الجنسية الآسيوية وجوازاهما في أيديهما، ولا اعتقد أنها زيارتهما الأولى، وارتأيا أن يختارا الوقوف في الطابور الأقل ازدحاماً، ولا بأس أن يزاحما أهل البلاد في آخر معاقل امتيازهم! وقمت أراقب كيف سيتصرف ضابط الجوازات مع اللذين آثرا التعدي على حقوق أهل البلد على أن يتبعا النظام وأن يقفا في المكان المخصص لهما! وصلا إلى ضابط الجوازات، ابتسم ورحب بهما، ختم جوازيهما وودعهما بكل مودة!
نحن أناس طيبون، لا نكن حقداً أو ضغينة لأحد ولا نعتدي بالزجر على زوار بلادنا، ولكني أعتقد أنه يجب علينا أن نكون أكثر حزماً وصرامة مع الذي يدعون «الاستهبال» من دون اللجوء إلى التعنيف.
وكان على الضابط أن يعتذر بكل أدب ويطلب من الشخصين أن يعودا أدراجهما ويقفا في المكان المخصص لهما، أو أضعف الإيمان كان عليه أن ينبههما إلى أن تصرفهما غير لائق ولكنه سوف «يمشيه» هذه المرة فقط، ولا يدعهما يمران بكل سهولة ويسر من دون تنبيه! فطريقة تصرف الضابط فيها تشجيع لتجاوز النظام، كما أن فيها اجحافاً في حق مواطنينا.
salemhumaid.blogspot.com