الحسد ظالم عادل

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تقول الحكمة العربية: قاتل الله الحسد ما أعدله! عدا على صاحبه فقتله! وهي حكمة بالغة لو أدركها الناس لنجوا من هذا العدو اللدود الذي «يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» كما ورد في الحديث، فيظل العبد عاملاً ناصباً في الخيرات وأداء المفترضات والصالحات الطيبات، وهو لا يدري أنها تذهب كما يذهب الماء في أرض بلقع، وأنه كمن يبني قصراً ويهدم مِصراً، وقد أدرك بعض الأدباء هذا المعنى فعبر عنه بقوله:

«ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحسود؛ نفس دائم، وهم لازم، وقلب هائم».

وقال عنه معاوية رضي الله عنه: «ليس في خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود». وقيل في منثور الحكم: «عقوبة الحاسد من نفسه».

وقال بعض الحكماء: «يكفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك، وما حمله على الغم لو كان عاقلاً؟ أما يكفيه ما فيه من غم الدنيا ونكدها! فكفى ذلك منغصاً للعاقل، وليس بحاجة إلى أن يكثر على نفسه الأعداء الألداء، الذين يحرقون الأعمار بنكد الليل والنهار». وقد قيل لأعرابي: ما أطول عمرك؟! فقال: تركت الحسد فبقيت. ولذلك سلى بعضُ الأدباء المحسودين بقوله:

اصبر على كيد الحسـود فإن صبرك قاتله

فالنار تأكـــــل بعـضها إن لم تجد ما تأكله

ولكني أرى أن السلوان الأكبر هو أن يعلم المحسود أن فضل الله تعالى عليه أكبر من حسد الحاسدين، ولولا ذلك الفضل ما جاءه حسد، كما قال بعضهم:

محسدون وشر الناس من منزلة من عاش في الناس يوما غير محسود

ويعلم أن للحساد عليه منة وفضلاً؛ لكونهم يبحثون عن معايبه، وعليه أن يغيظهم بإزالتها وإصلاح وضعه منها، كما قال بعضهم:

عداتي لهم فضل علي ومنة فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا

هُمُ بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

لكني أرثي كثيراً لذلك الحاسد الذي خسر دنياه وآخرته، أما الدنيا فبما علمت، وأما الآخرة فبمعصيته ربه، فإن الحسد أول ذنب عصي به الله في السماء، وأول ذنب عصي به الله في الأرض، لذلك حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيراً وكان مما قال: «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم»، فقد جعله حالقاً للدين أي مهلكاً له، ومن ذا الذي يريد أن يفلس في دينه ودنياه، وقال عليه الصلاة والسلام: «إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخواناً». هكذا يريد المصطفى صلى الله عليه وسلم منا، لنكون في الآخرة إخواناً على سرر متقابلين.

ومع ذلك فلا بد لكل منا أن يتقي الحسد بأذكار الصباح والمساء، والدخول والخروج، فإنها حرز واقٍ، وجُنة حصينة، فقد أنزل الله تعالى معوذتين من ذلك، وعوذ بهما نبيه، برقية جبريل عليه السلام، فإن خطر الحاسد محقق، فقد ورد «كاد الحسد أن يسبق القدر، وكاد الفقر أن يكون كفراً».

نعوذ بالله من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد!

❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دبي

تويتر