في مسجدنا إليسا

همّ خطيب الجمعة بالجلوس بين الخطبتين، واستعد المصلون لرفع أياديهم للدعاء وطلب المغفرة، فيما تيسر من ثوان معدودات. وقبل أن يستقيم الخطيب على كرسيه، وقبل أن تنفرد الأكف متجهة إلى السماء، تبعثر صمت الخشوع بنبرات صوت «عجرمي» انطلق من هاتف أحد المصلين، فقاطع النفوس المستكينة، وتقاطع مع كل تفاصيل المكان والزمان، وعكّر على القلوب صفاءها، فنزلت الأيادي، والتفتت الرّقاب باتجاه مصدر الطرب غير الطروب. وصاحب الهاتف يغوص في ارتباك أعمى عينيه وشلّ أنامله، وهو يحاول البحث عن مفتاح الإغلاق، لإسكات غضب منع انفجاره الخوف من الوقوع في تهمة اللغو أثناء الصلاة.

فانقضت وقفة ما بين الخطبتين، وضاعت على الناس فرصة الدعاء، وفقدوا كثيراً من خشوعهم وإحساسهم بخلوتهم، واحتاجت أفكار «الشيخ» بعدها لدقائق حتى تسترد ترتيبها، وهو يرمق مكان انطلاق الصوت بعيون المعاتب المشفق على هذا المستوى من الخلط في المفاهيم.

وفي مسجد آخر، وصلاة راتبة، ومن مصل تبرّأ بـ«حماس الإيمان» من صوت أليسا ونانسي، ومن هاتف ذو سماعات «هاي فاي»، انطلق رنين بصوت منشدة «الطيبة»، ليوقف الكلمات والحروف على شفاه المصلين وهم ينتظرون لفتة من صاحب الهاتف ليكملوا ما تبقى من صلاتهم، وإن ذهب الخشوع.

قبل سنوات كان رنين الهاتف العادي أثناء الصلاة مستهجناً ومستنكراً، ولأن الكثير من قبيح الأمور صار بحكم السكوت عنه من الأمور العادية، فقد ازداد بعض الناس جهلاً، و ازدادت المفاهيم اختلاطاً، وتراجعت هيبة المسجد وقدسية الصلاة.

ولكي لا تزداد مثل هذه الأمور تردياً، لابد من تصرف. حملة توعية واسعة، وتدخّل عملي عبر نصب أجهزة قطع الإرسال داخل المساجد.

Adel.m.alrashed@gmail.com

الأكثر مشاركة