حرية = إبداع

سالم حميد

في العادة، نشجع هنا الإبداع والمبدعين على تطوير مهاراتهم في كل الأصعدة الفنية والثقافية، ونأخذ بأيديهم ونفتح لهم الأبواب المغلقة، ونتبنى تطلعاتهم ليفضوا بما لديهم من مكنونات، لكن تظل هناك ممارسات فردية من أشخاص لا يتحمل فكرهم الإبداع والمبدعين نتيجة خلفيات يحملها أصحابها تفضي إلى قيود يواجهها المبدع. والقيود متنوعة منها رسمي ومنها ديني ومنها اجتماعي، والقيود الاجتماعية يفرضها المجتمع على مجالات إبداعية مختلفة كالموسيقى والفنون الجميلة والكتابة.

وحتى الآن أفاجأ بأن الكثير يرفضون أن يتعلم أبناؤهم فنون الموسيقى أو إرسالهم لحضور دروس على آلة موسيقية معينة أو المشاركة في معاهد متخصصة، ويتم الربط مباشرة مع الفن الهابط! علماً بأن الموسيقى تهذب النفس كونها من الفنون الراقية، وحتى في مدارسنا يرفض الكثير من الأهالي تعليم أولادهم الموسيقى! وفي الفنون الجميلة أو المسرح والسينما لايزال البعض ينظر إلى الفنان بأنه شخص غريب عن المجتمع لأن الأعمال الفنية بالنسبة لهم ناعمة وشاذة! ومن خلال عملي في المجال الثقافي شاهدت شباباً إماراتياً تسلل إلى العمل المسرحي وأصر أن يشارك ويمثل وأظهر إبداعاً لافتاً، كل ذلك من دون علم الأهل الذين يرفضون رفضاً قاطعاً مشاركته في هذا المجال «المنحط» حسب وصفهم!

ولفتني خبر صحافي قرأته منذ فترة بسيطة حول مشاركة الفيلم الإيراني «القطط الفارسية» في مهرجان «كان» السينمائي في دورته 62 وقرار مخرج الفيلم بهمن قبادي العيش في المنفى عن العودة إلى وطنه، حيث يظهر فيلمه قمع الموسيقيين الشباب، وسعي الشباب الحثيث إلى الحرية، ويتناول الفيلم عالم موسيقى الشباب في طهران ومعاناة صانعيه في فن ينمو وينتشر في شكل سري أو في الأماكن المنعزلة لعدم جذب انتباه الشرطة، فالمنع لم ينجح في القضاء نهائياً على وجود الموسيقى أو تعطش الشباب العاملين في مجالها للتعبير عن أنفسهم، وتستند أحداث الفيلم إلى قصة واقعية لشابين يهويان الموسيقى ويمارسانها ما يؤدي إلى دخولهما السجن.

هذا لا يحدث فقط في إيران بل في العديد من الدول التي تمنع الفن وتقيده، فالإبداع عدوه القمع، والبيئة المليئة بالحرية تنمي الإبداع وتشجعه، وما أحوج المبدع إلى مساحة من الحرية لينطلق ويخرج ما لديه.

للأسف هناك من يضع العصي في الدواليب، ويمنع أو يحجب أو يرفض قصة أو كتاباً أو عملاً فنياً راقياً من دون توضيح ليعتذر بكلمتين اثنتين أو من دون تعليق! ولكن وكما يقول مثلنا الشعبي «كثر الدق يفك اللحام»، وذلك بكثير من الشرح ثم الكثير من التوضيح ومجابهة العقول المنغلقة ونشر الفنون وتشجيع المبدعين، قد نتخطى أصحاب الأفكار المتشددة لنصل إلى الحرية التي تقود إلى الإبداع.

salemhumaid.blogspot.com

تويتر