السينما العربية بين الرؤى الكلاسيكية والرؤى الحديثة
ينظم المهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران في الجزائر، من23 الى30 يوليو، ندوة بحث موسعة حول «السينما العربية بين الرؤى الكلاسيكية والرؤى الحديثة»، وسيشارك في محاورها مجموعة من النقاد والسينمائيين، وسيكون هدفها، دون شك، كشف مشكلات السينما، واقتراح حلول، تساعد على فتح الأبواب الضيقة أمام سينما حديثة، تأخذ مكانها على خريطة سينما العالم!
سبق أن كثرت الندوات حول خواص السينما العربية وآفاقها، وتم تسليط الضوء على إشكالية تطورها، لكن دون التوقف عند الدور الذي يمارسه «شباك التذاكر» والعقبة التي يضعها قانون إنتاج السينما التجارية أمام نهضتها المنتظرة. إن كل تاريخ السينما، حسب المنظرين والمؤرخين، هو تجاور وتفاعل دائم لـ«اتجاهات» الأخوين لوميير، اللذين خضعا لهاجس نقل الواقعية الخام على الفيلم، وميليه الذي كان مأخوذاً بشكل واضح بما يمكن عمله بمواده الخام. لقد طلعت السينما الروائية من «معطف» السينما الأم، التي سارت وتسير في اتجاهين: اتجاه نثري مباشر ينصرف إلى وصف حياة المجتمع والناس كما هي، واتجاه شعري، ينصرف إلى «تحريف» صور حياة المجتمع والناس، ليس من أجل تزييفها ، إنما من أجل فهمها. ويدلنا تاريخ السينما في العالم على تلك التجارب التسجيلية التي تحولت إلى ينابيع ثرية في تطور الفيلم الروائي في كل مكان.
لنأخذ في الحسبان أن البداية الجديدة في تطور السينما العربية تبدأ من تطور حقيقي للفيلم التسجيلي، فليس سوى «التسجيلي» من سلاح لاستخدام صورة الواقع الراهن ونقله إلى الشاشة، كأساس في إعطاء هوية للسينما العربية، لأن فن السينما الأصيل، المعبر عن روح العصر ومشكلاته الملحة، تطور ببدايات تسجيلية، سبقت السينما الروائية أو صاحبتها على طول الخط.
بدأت الحركة التسجيلية العربية تتشكل في السبعينات، كتعبير حاد عن الحاجات الاجتماعية الملحة التي بقيت بعيدة عن ميدان السينما التجارية، وكانت بمثابة تعبير عن موقف فكري وجمالي، يتيح حضور مشكلات الواقع الحي على الشاشة، ويؤسس لسينما بديلة، ورغم تعثر تلك الحركة، فقد حاول بعض صانعيها تقديم الواقع الحقيقي على الشاشة، لكن أجيال أخرى من السينمائيين ربطت يداً بيد مع منتجي هذه الوسيلة السحرية الجذابة بــ«شباك التذاكر» التي تحرك قوانينه البدائية طبيعة إنتاجه على قاعدة إشباع حاجات الخيال الجماعي التي ينتجها حرمان الناس ومعاناتهم، ليصبح من الضروري إيجاد بدائل تحافظ من جهة على استقرار النظام الاجتماعي، وتعوض من جهة أخرى كل الحرمان الذي ينفيه النظام، ويحجب التناقضات التي تولّده. إن عملية تلفيق الواقع هي نتاج لتوظيف السينما في خدمة سلطة لا تمارس فيها الديمقراطية سلطة يلعب فيها رأس المال دوره في تقديم مشاهديها ضحية لشباك التذاكر. ما زلنا نكرر السؤال: من يستطيع أن يأخذ بيد جيل الحداثة ليعينه، أخيراً، على الوصول إلى ضفاف الواقعية المُلهمة، بعيداً عن الأسوار التي تنتصب في الطريق؟ ما يصنع الفن الأصيل هو تلك المقاربة المدهشة بين الخاص والعام، بين ما يجعل صورة الواقع محلية ضيقة، وبين ما يجعل صورة الواقع تشق طريقها إلى العالمية.