سلطة المنع

علي العامري

من يستحق السجن، الشاعر أم خائن وطنه؟ هذا السؤال الذي تبدو إجابته بدهية، لم تعد كذلك في القرن الحادي والعشرين. كما يبدو أن هذا القرن لم يمتد فعلياً في كل بقاع الأرض، فثمة مناطق لاتزال تلهث تحت وطأة القرون الوسطى، وثمة بشر لايزالون يعلنون بأفكارهم السلطوية أن إقامتهم متواصلة في زمن قديم، كان فيه الإبداع المختلف بمثابة كفر يودي بحياة صاحبه، أو ينقله في عتمة سجن على أقل تقدير.

أخبار انتشرت حول عودة شرسة لسلطة الرقابة على الإبداع البشري، مع أن مؤشرات نعي هذا الرقيب وذهنية المنع والحجر والإلغاء والشطب والحذف والطمس، قائمة وتشير إلى إن لا سلطة على الفكر والخيال والإبداع، خصوصاً مع تطور الوعي الإنساني والتحولات التي أنتجتها ثورة الاتصال والعلم والجينات والتقنيات الحديثة. إذ أن فضاء الإنترنت يتسع لكل اختلاف في أي مجال كان، فهذا الفضاء أسهم في التواصل بين البشر بالكلمة والصوت والصورة الثابتة والمتحركة، وصارت الأخبار تطير بين أطراف الأرض في «رمشة» عين.

ولكن، على الرغم من ذلك، إلا أن البعض لايزال يتمترس خلف ذهنية المنع، من خلال سلطة الرقيب الذي يفترض به أن «يخجل» ويرحل بصفته الوظيفية إلى أقرب مقبرة، ومن دون رجعة. إذ إن حياة الرقابة تعني موت الإبداع، وحياة الرقيب تعني قبر التعددية، وحياة المنع تعني إعدام الحرية، هذه القيمة العليا التي دفعت شعوب الأرض كثيراً من الأرواح والأوقات والجهود على «مذبحها».

ومع كل هذا، فإن الرقيب العربي لايزال على «سدة» سلطويته، شاهراً وصاياه في وجه كل من يحاول التفكير خارج السياق العام، ففي دائرة المطبوعات الأردنية، منع الرقيب قبل أيام معدودة دخول مجموعة شعرية بعنوان «زهو الفاعل» للشاعر زياد العناني إلى الأردن، بعد طباعتها في المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، كما لو أن الكتاب يمكن أن يدنس «طهارة» الرقيب الذي يضع نفسه في مكانة الوصي على خيال الأدباء وإبداعاتهم، كما يرى نفسه وصياً على عقول الناس.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد أيضاً، إذ أحالت دائرة «المطبوعات» الشاعر إسلام سمحان إلى المحكمة التي قضت على صاحب المجموعة الشعرية «برشاقة ظل» بالسجن لمدة عام، كما لو أنه «لص» يعتدي بقصائده على «طمأنينة» الناس وينهب «الصمت» من بين أيديهم.

وليس هذا فقط، بل منع الرقيب إياه مجموعة للشاعر طاهر رياض المعروف بقصائده التي تفيض وجداً صوفياً. ووقف الرقيب «سداً منيعاً» أمام دخول الكتاب، كما لو ان تلك القصائد «تلوث» مياه الأردن، وتثير القلق في البحر الميت.

لا يقتصر تغوّل الرقابة في بلد عربي بعينه، بل إن الرقيب في معظم أرجاء وطننا العربي لايزال «حياً» يحتفظ بالحبر الأحمر، ويقيس الإبداع بمسطرة «الدين والجنس والسياسة».

ali.alameri@emaratalyoum.com

تويتر