التغرب في المجتمع والمسرح

قيس الزبيدي

يكتب سعد الله ونوس في مقدمته للمعجم المسرحي«مكتبة لبنان للناشرين» بيروت1997«هذا العمل هو أول جهد علمي متميز، يُغني المكتبة العربية بمعجم شامل عن المسرح ومصطلحاته. سبق وأن ظهرت كتب عدة وترجمات تناولت تاريخ المسرح أو واحداً من تياراته أو بعض أنواعه وتقنياته ومصطلحاته. لكن لم يتوافر، قبل اليوم، معجم شامل يحاول أن يغطي، بمثل هذه المنهجية العلمية، كل المجالات، التي حوتها الكتب والترجمات. ولا يقدم المعجم مجرد تاريخ زمني ومحايد للمصطلح المسرحي، بل يضيف إلى التاريخ مغزاه وبعده التاريخي، عبر سيرورة، تصل إلى وقتنا الراهن».

يستعرض المعجم الأنواع والأشكال المسرحية والفنون الدرامية وأساليب عرضها، في مداخل، يصل عددها إلى 291 مدخلاً، يبدأ كل منها من المعنى العام للمصطلح، لينتقل إلى معناه الخاص. ويوضح المسرد، العربي والفرنسي والانجليزي، أكثر من 500 مصطلح ومفهوم في أكثر من 573 صفحة.

وتكتب الدكتورة ماري الياس والدكتورة حنان قصاب حسن «أردنا لمؤلفنا أن يكون عملاً جامعاً، ينطلق من مفاهيم نقدية، ترتبط بمكوّنات المسرحية ومراحلها، بدءاً من الكتابة والإعداد والتحضير للعرض، وصولاً إلى التلقي». ويخصص المعجم حيزاً واسعاً للعرض المسرحي، تأكيداً لأهميته الفائقة في فن المسرح.

إن الجهد الذي تطلبه المعجم والتفرغ لإنجازه، حسب المؤلفتين، هو شيء يفوق بكثير قدرة شخصين، يعملان معاً، وربما كان ذلك هو السبب في حصول بعض الأخطاء الصغيرة، على الرغم من عظمة الإنجاز. مثال: يأتي ذكر الناقد الهنغاري الكبير جورج لوكاش، أكثر من مرة، مرةً كهنغاري ومرةً أخرى كروماني.

ما يلفت النظر أكثر، ذلك الالتباس حول المصطلح البريشتي «تغريب- Verfremdung» الذي يستعمل في العربية عوضا عنه مصطلح «تغرّب- Alienation» الذي أستعمله ماركس في الألمانية"Entfremdung"

ويعني الوضع الذي يجعل من ملك خاص لإنسان أو ما يتملّكه، غريباً عنه، فالعامل يصرف قوة عمله في إنتاج بضاعة لا تخصه، يملكها غيره ويصبح ـ نتيجة لتقسيم العمل ـ مجرد متغرّب في الإنتاج. أما مصطلح «تغريب» الذي أستعمله بريشت في الألمانية فيستعمل بدله النقاد الفرنسيون، غالباً، مصطلح التغرّب!

نحن، أيضاً، نستعمل المصطلح الفرنسي، بدل الألماني، من دون مراعاة دلالتيهما المختلفتين. فالأول يعني الـ«تغرّب» في وضع ذاتي أو اجتماعي، تصبح فيه العلاقة، التي تقوم، عضوياً، بين الناس، أو بين الناس والعمل أو بين الناس ونتاج عملهم، أو بين الإنسان وذاته، علاقة مُلغاة، مُنقلبة أو مُدمرة.

والثاني يعني، حسب بريشت «تغريب» الأحداث والشخصيات في المسرح، وإثارة الاندهاش والفضول حولها، عبر نزع ما هو بديهي ومألوف عنها، لكي يساعد المتفرج، ويدفعه لأخذ مسافة ذهنية من الأحداث الممثلة، حتى لا يقع ضحيةً للتماهي والإيهام. هدف ماركس: كشف الجوهر الاقتصادي في المجتمع الرأسمالي، الذي يجعل من عامل، يبيع قوة عمله، ضحيةً جاهلة.

وهدف بريشت: كشف الحقائق الاجتماعية، لتوعية ضحية مُعذبة ومُستغلة، ليقدم لها المسرح، الذي تستحقه. مسرح يُعين الإنسان، كمتغيّر ومُغيّر، ليمارس قيادة نفسه وقيادة المجتمع!

 

alzubaidi@surfeu.de

تويتر