اشهد على نفسك.. لو سمحت!

مصطفى عبدالعال

{وَوجَدُوا ما عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظِلمُ رَبكَ أَحَداً}.. بهذا علق إمام المسجد بينه وبين نفسه حين عرف كيف تكون الرسائل الإلكترونية دليلاً لا يستطيع كاتبها أو متلقيها أن يتنكر لها، وأن قسماً من أروع أقسام مكافحة الجرائم في إماراتنا الحبيبة يُعنَى بمكافحة هذه الجرائم الإلكترونية، ثم قال: إن الإشادة بمثل هذه التقنيات واجب عقلي، لأن الهدف من تشريعات الأرض والسماء الحماية والوقاية والتحذير قبل العقاب والتعزير، وليس أبداً الاستدراج للوقوع في الخطأ، ولا فضح المخطئين، بل يجب على العاقل ألا يهين نفسه بفعل نقيصة من السهل فضحها، فالمؤمن ينظر إلى تقنيات البشر متخيلاً من خلالها قدرة خالق البشر الذي يعلم السر وأخفى، والذي يحصي على الإنسان كل أعماله مسجلة بتواريخها وأماكنها، وسيتلقى نسخة عند حسابه {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً. اقْرَأْ كِتَابَكَ..} (الإسراء: 14،13) والموفق حينها يُقرّ بذنبه ويطلب غفران ربه، والغافل الضال سيفعل كما كان في الدنيا يفعل ويكذب كتابه، بل يكذب الرقيب والعتيد، ويقول: اقبل يا رب شهادتي على نفسي، فيقول له سبحانه: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء: 14)، وحينها يظهر الحق تقنية لا يصل إليها البشر،حين يختم على اللسان فلا ينطق ويأمر بقية الأعضاء أن تنطق، فتقول العين: أنا للحرام نظرت، وتقول الرجل: وأنا إليه سعيت، وتقول اليد: وأنا له تناولت، وتشهد كل أعضائه عليه! فيسبها الكذاب بقوله: تعساً لكنّ وسحقاً، عنكن كنت أناضل، وهنا تأتي الأماكن التى شهدت معاصيه وتشهد قائلة: وعلي ارتكب الذنب، فيقول ملَك السيئات: وأنا يا رب لكل ما شهدوا به كتبت وسطرت، وحينئذ يفصل المولى بقوله: وأنا وعزتي وجلالي اطلعت وسترت، يا ملائكتي خذوه ومن عذابي أذيقوه، فقد اشتد غضبي على من كان يستحي من الناس ولا يستحي مني.

فحين يعلم كل مستخدم للرسائل الإلكترونية (الشات) أن كلامه محسوب عليه وفي الإمكان استرجاعه، وحين يعلم كل مغازل في الهاتف أن تسجيل كلامه أصبح من تقنية كل الهواتف، وحين تعلم المرأة زوجة كانت أو أماً أو ابنة أو اختاً أن كلامها ورسائلها مسجلة عليها، لا شك أن العاقل سيرتدع من نفسه عن الخطأ، بل إن نشر هذه الجرائم الإلكترونية في وسائل الإعلام أكبر مانع لتكرارها دون تفصيلات تفتح العين على ارتكاب مثلها، ثم إنها تقرب الإيمان بالحساب من الديان عز وجل في الدنيا والآخرة، بفهم معنى {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18 )، وقوله {يَوْمَ تَجِدُ كُل نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ محْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَد لَوْ أَن بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحذرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران: 30). حقاً لو علم كل إنسان كيف تفضحه الأجهزة لامتلأ رهبة من الله خالق هذه الأجهزة.

 

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

تويتر