5 دقائق

لم أستطع إلا أن أبدي إعجابي الشديد بالمقال الذي كتبه الصديق العزيز سلطان سعود القاسمي الأحد الماضي في «الإمارات اليوم» بعنوان «ناشيونال جيوغرافيك باللهجة اللبنانية!»، فكتبت له رسالة هاتفية «سلطان، شو هالحكي اللي عم تكتبه؟! يسلملي تمك».

يعتبر الغزو الثقافي من أخطر أنواع الغزو، فهو ليس كالغزو العسكري والحربي، يحتل مكاناً أو منطقة جغرافية فقط، بل خطورته تكمن في أنه يحتل العقل ويؤثر بطريقة ذكية ومدروسة وبعيدة المدى في الشعوب، ويتسلل خلسة ليدخل في نطاق التفكير ويقوم خطوة اثر خطوة في التمكن وتغيير نمط التفكير لخدمة أغراض المحتل أو الدولة أو الجماعة الغازية لتخدم مصالحها الخاصة. ويأخذ الغزو الثقافي وسائل عديدة ومختلفة، فقد يأتي عبر وسائل الإعلام بوسائطه المتعددة كالصحف والتلفاز والراديو ومواقع الإنترنت والمدونات، أو وسائل الترفيه أو المراكز التي تُدعى بالثقافية والدينية والاجتماعية وحتى المدارس، وأيضاً عبر الثقافة بمختلف فروعها كالموسيقى والسينما أو عبر الأدب والقصة والدراسات والبحوث. أي أن الغزو الفكري يتسلل عبر ثقافة الشعب وبنيته المجتمعية، أما أخطر ما فيه فهو استهدافه لعقول الشباب ليعبث فيها ويحملها أفكاره بهدف خدمة مصالح مشبوهة.

سياسة «الباب المفتوح» التي انتهجناها في الإمارات بكل أسف، وطيبتنا الزائدة على الحد في منح الثقة لكل فكر دخيل قادم من الخارج، سمح للبعض ببث سمومهم بشتى الوسائل، والأمثلة صارخة كتلك التي تلعبها بعض دول المنطقة في تصدير أفكارها الخبيثة، وعلى وجه الخصوص الدينية منها والثقافية والاجتماعية، وبالفعل نجحوا كثيراً في تصديرها لنا على نهجهم وسياقهم، حتى أمسى فكرهم الشاذ منتشراً لدينا بكل المستويات ومتشعباً في تفاصيل حياتنا.

بالأمس القريب حضرت إحدى مسرحيات الموسم المسرحي الخامس الذي تنظمه جمعية المسرحيين في الإمارات بعنوان «أفا» من إنتاج مسرح دبا الحصن، وهي مسرحية تعكس البيئة البدوية لكن الغريب فيها أن لهجتها كانت لأهل بادية بلاد الشام وليس بادية الإمارات وكذلك الزي! وهذا إن دلّ إنما يدل على جهل مؤلف ومخرج تلك المسرحية بالثقافة البدوية الإماراتية وتأثره ببادية الآخرين بسبب مسلسلاتهم البدوية. وقبل عقود من الآن كنت استمتع بسماع الفواصل الشعرية والونات والشلات البدوية الإماراتية في محطاتنا الإذاعية المحلية، أما اليوم وعلى سبيل المثال، إحدى المحطات لا تبث لنا فواصل شعرية إلا بلهجة إحدى الدول الخليجية! يعني حتى محطاتنا الإعلامية المحلية تسهم في ضرب أصالة ثقافتنا بلا حسيب ولا رقيب!

بالتأكيد هنالك الكثير من محاولاتهم غير المباشرة من خلال كتب أو مسرحيات أو مراكز ثقافية ودينية أو من خلال السينما أو أنشطة أخرى، وما يهمّنا هنا القيام بدور استباقي بهدف الحفاظ على الروح الوطنية في دولة الإمارات وتأصيل الثقافة الإماراتية بين أفراد المجتمع، وتحديد ما هو مقبول وغير مقبول، لكن يا صديقي سلطان «شو بدي أحكي؟!».

 

salemhumaid.blogspot.com

الأكثر مشاركة