لا تقل أنا فاشل.. وابدأ لو سمحت !

أتى الرجل إمام المسجد بعد صلاة الجمعة، وأصر على أن يذهب الإمام معه إلى بيته، ومع إلحاحه ودموعه ذهب الإمام، فدخل صاحبنا على الثلاجة وفتحها للشيخ، فإذا بها قوارير خمر متنوعة، والرجل يبكي ويقول هذه أغلى أنواع الخمور أتناولها لأني رجل فاشل في كل شيء، ما عرفت النجاح عمري، وعملت بوساطة معارفي المنحرفين في عمل يتعلق بإصدار بطاقات حكومية كالهوية، وساعدني ذلك على الكسب الوافر من تلاعبي بالبطاقات مقابل رشى باهظة، ولكني لا أنام الليل ولا أتذوق للحياة طعماً ومن ضنكٍ إلى ضنكٍ، واليوم قلت أريد أن افضح نفسي لما سمعتك تقرأ قول ربنا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه : 124)، وباختصار قال الشيخ ما قال من توجيه، ولفت نظره إلى أنه لا شك مازال فيه بعض الخير، وإلا ما أحس بنفسه، ولكنه طمس الخير بسيئاته ثم قال له: هل تحمد ربك على أنه لم يمت قلبك بعد وتبدأ بتوبة صادقة؟ قال: يا شيخي! أنا فاشل لا أجيد أي عمل، قال الشيخ: التوبة النصوح تفتح أبواب الرزق، ومازال الشيخ معه حتى أعلن توبته فأمره بسكب كل الخمر في دورة المياه فقال الرجل: حرام! دعني أبيعها قال الشيخ: إذاً ما فهمت معنى التوبة، الخمر ملعون بائعها فهل مازلت تبحث عن اللعنة؟ وهل تباع إلا لشربها وشاربها ملعون؟ سكت الرجل ثم قام وسكبها كلها فقال الشيخ: الآن أديت ما عليك فاترك الرشى، بل والعمل الذي عُرفت فيه بها بعد أن تجد عملاً آخر، ضحك الرجل وقال:نسيتَ أني فاشل؟ قال الشيخ لا تقل ذلك أبداً وتوكل على الله.

وبعد أيام اختبر الله الرجل فجاءته امرأة تقول أرسلوني إليك لخطأ في أوراقي، فنظر إلى الورق وعرف بخبرته كيف يُعالج، وكان هذا الأمر قبل ذلك صيداً ثميناً، فطلب منها بعض الأوراق فأحضرتها، وتمم الملف سليماً حتى سلمها بطاقتها بلا تعطيل ولا تزوير، فعرضت عليه مبلغاً كبيراً رفضه صادقاً فضاعفته فرفض وأقسم أنه لن يأخذ شيئاً وأنه ما عمل إلا واجبه.

وفي اليوم الثاني جاءه زوجها صاحب شركات كبيرة، وشكره على عفته وعرض عليه أن يقبل العمل عنده، لأنه بحاجة إلى رجل أمين، فقال: أنا لا أجيد شيئاً، قال سأعلمك! لأني في أمسّ الاحتياج إلى صادق أمين لا إلى خبير مكير.

وبعد ثلاث سنوات كان الشيخ ضيفاً على هذا الرجل الذي أصبح مديراً لمجموعة الشركات بمعاش لا يحلم به موظف يحمل الدكتوراه. فقال الشيخ مازحاً: سبحان من بدلك فكيف حدث؟ قال: رفعت من قاموس حياتي كلمة فاشل وتفانيت في إتقان ما تعلمته من هذا الرجل فحقق به المولى معي قوله سبحانه: {وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. (الطلاق: 3)

 المستشار التربوي لبرنامج »وطني«


mustafa@watani.ae

الأكثر مشاركة