5 دقائق
يتساءل الناس هذين اليومين كثيراً عن ليلة النصف من شعبان، عن فضلها؟ وماذا يفعلون فيها؟
فقلت: قد ورد في فضل هذه الليلة شيء كثير من أحاديث وآثار وعمل السلف والخلف، ومن ذلك ما أخرجه ابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده والترمذي في سننه وغيرهم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا المشرك أو المشاحن» وفي رواية أحمد: «أو قاتل نفس».
وقد ورد هذا الحديث بألفاظ متقاربة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم؛ منهم أبوموسى الأشعري، وأبوهريرة، وأبوبكر الصديق، وعوف بن مالك، وعائشة، وأبوثعلبة الخشني، وعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين ومنها ما جاء من رواية علي رضي الله عنه عند ابن ماجه في سننه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر».
وهذه الأحاديث وإن كان لا يخلو واحد منها من مقال، إلا أن بعضها يجبر ضعف بعض كما هي قاعدة أهل الحديث إذا كان ضعف الحديث منجبراً، فإنه يتقوى ولو بطريق واحد، فما الظن إذا كثرت الطرق، وتعددت الشواهد؟! فإن ذلك دليل على أن له أصلاً يركن إليه.
وهذا ما ذهب إليه كثير من المحدثين ممن عُنوا ببيان الأحاديث الواردة في هذه الليلة، فقد أفردوها بالتأليف، كما فعل الحافظ ابن الدبيثي، ت سنة: 637هـ، إذ أفرد أحاديث هذه الليلة في جزء، وهو مطبوع، وكذلك العلامة المحدث عبدالله بن محمد بن الصديق الغماري، أفردها في مؤلف خاص سماه (حسن البيان في ليلة النصف من شعبان) وتكلم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في صحيحته 3/135 ـ 139 عن هذه الأحاديث كلاماً محققاً مستفيضاً، صدره بقوله: «حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضاً) وأنهاه بقوله: «وجملة القول إن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، والصحة تثبت بأقل منها عدداً، مادامت سالمة من الضعف الشديد» كما هو الشأن في هذا الحديث.
هذا وقد كان السلف من التابعين يحيون هذه الليلة عملاً بما ورد فيها من أخبار وآثار، فقد ذكر ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف أن التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم كانوا يعظمونها ويجتهدون في العبادة فيها.
وذكر محمد بن إسحاق الفاكهي مؤرخ مكة، ت سنة: 275 هـ، في كتابه تأريخ مكة 3/84 تحت عنوان (ذكر عمل أهل مكة ليلة النصف من شعبان) ذكر أن أهل مكة في ما مضى إلى اليوم ـ يعني يوم تأليفه قبل اثني عشر قرناً ـ إذا كان ليلة النصف من شعبان خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد فصلوا وطافوا وأحيوا ليلتهم بالقراءة في المسجد الحرام حتى يختموا القرآن كله.
فهكذا ينبغي أن تُحيا هذه الليلة بسلامة القلب وصفاء الطوية لإخوانه المسلمين لاسيما المتجاورون، والمتعاملون، وبالذكر والدعاء وعمل الخير ليكون المرء أهلاً لتجلي الله تعالى عليه بالفضل والخير العظيم فإنه لا يحرم مواسم الخيرات إلا محروم.
❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دبي