من المجالس
لا جنسية للجريمة، فقد يضرب الشر خيامه أينما يحل دونما أوراق ولا جوازات سفر. وقد عرفت البشرية الشر قبل أن تعرف الجغرافيا وتتعرف إلى القوميات والوطنيات والقبليات. فعمر الشيطان أقدم من عمر الإنسان، وقد بدأت الجريمة يوم اتخذ الإنسان من الشيطان ولياً، فسبقت الجريمة كل أسباب العولمة التي نعرفها اليوم بآلاف السنين لتكون كونية لا ترضى بمكان واحد، ولا تقنع بحدود، ولا تعترف بجنسية. ولذلك فإن الجاني يكون مجرماً يثير الغضب ويستفز المشاعر ويستدعي القصاص مهما كانت جنسيته ومهما كان أصله، ويكون المجني عليه ضحية يثير الشفقة والتعاطف ويستدعي الاقتصاص له مهما كانت جنسيته ومهما كان أصله.
صحيح أن في الإمارات وسائر دول الخليج كانت الجريمة في الماضي نادرة، وكانت أنواعها محدودة للغاية، وكان حدوثها، إن تم، يحدث هزات أرضية وزلازل تظل الناس تتحدث عنها سنين وعقود طويلة، وتجعلها جزءاً من قصص الراوي الشعبي للأجيال التالية، ولكن هذا كان.. كان عندما كنا نعيش في تجمعات بشرية بسيطة، وكانت «أخلاق القرية»، إن صح التعبير، هي السائدة، وكان الناس يعرفون بعضهم بعضاً، ويتعارفون في ما بينهم، وكانت وسائل الحياة بسيطة للغاية. وبعد أن كبرنا وكبرت مجتمعاتنا، وتعقدت تركيباتها، وتعولمت أنماط حياتها، وتمددت أركانها، وتطاول بنيانها، واختلطت ثقافاتها، فإنها لم تعد بمنأى عن السلبيات، بما فيها الجريمة التي قد تصل إلى قتل النفس التي حرم الله وما دونها.
في قضية قتل المرأة الأثيوبية التي وجَه الاتهام فيها لأربعة من مواطني الدولة كانت الصدمة بالنسبة للكثيرين قوية، خصوصاً لكون المتهمين «مواطنين». وربما تكون صدمة الأسلوب الذي تمت به الجريمة وشخصية الضحية المستضعفة قد ضاعفتا الصدمة، ولكن ظل النقاش العام يراوح حول نقطة «إننا لم نكن نعرف هذا النوع من الجريمة» من دون أن يتجاوز ذلك إلى مستوى الإشارة إلى أننا قد تجاوزنا كلمة «كنا» إلى كلمة «أصبحنا»!