من المجالس
وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الثقافة، بالإضافة إلى وزارة التربية والتعليم، مطالبة بأن تحمل أحمالاً مع أحمالها. وهي أعباء ربما تثقل كاهل هذه الوزارات وتزيد من همومها، لكنها تقع في صلب مسؤولياتها.
الموضوع هو التغيرات الاجتماعية والتحولات الثقافية التي تهب رياحها على مجتمع الإمارات، وسائر مجتمعات الدول المجاورة، بسرعة تفوق قدرة الإنسان على استيعابها والتكيف معها، من دون أثمان قد تكون أحياناً باهظة، ليس على صعيد انتشار الجريمة فقط، وإنما على صعد عديدة في السلوك، ونمط التفكير، والنظرة العامة إلى المكونات الثقافية والموروثات وأسباب الحياة الاجتماعية.
ركّز بعض القراء الكرام على الأسرة والبيت والركون إلى الخادمات في تربية الأطفال، كأسباب لظهور سلوكيات عدوانية لدى الأجيال اليافعة. وفي رأيي أن هذه النقطة هي الأخرى نتيجة وليست سبباً. نتيجة لمجتمع الوفرة، وما صاحبه من تحولات وصلت إلى مستوى الصدمات التي لم تمهل المواطن لالتقاط أنفاسه وإعادة ترتيب أفكاره. وهي استجابة طبيعية للتحولات السريعة التي تجتاح العالم كله، فتجعل منه قرية صغيرة، كما يقول أهل الاتصال.
ولكن حتى المجتمعات التي سبقت في التغيير، وتلك التي تنطلق منها معظم أسباب التأثير وجدت أن التحولات والتغيرات أقوى وأسرع من قدرتها وقدرة أفراد مجتمعاتها على استيعابها والتكيف معها، فقررت منذ وقت مبكر إنشاء المؤسسات المتخصصة، وتوسيع دور وصلاحيات المؤسسات القائمة لإعادة رسم خرائط المجتمعات، ووضع المصدات التي من شأنها التقليل إلى حد كبير من خطر الانجراف إلى الهاوية.
نحن، ولله الحمد، لانزال في مجتمعات تشكل الفضيلة فيها قيمة كبيرة، وتعتبر الأسرة أهم ركائزها، وتتمسك بالموروث كسترة نجاة وحزام أمان، وتعتز بالماضي وصنّاعه. ولكن سرعة اندفاع الوافد من المفاهيم وأنماط الحياة وطرق التفكير، وأنماط السلوك عبر وسائل الاتصال المفتوحة، وجرار الهجرة المتدفقة، يشكل تحدياً كبيراً يتطلب جهوداً غير عادية، وفكراً غير عادي، وعملاً مؤسسياً فوق العادة لكي يتسنى تحقيق أكبر قدر من الحماية ومحاذاة بر الأمان.