هل أصبح المراسل قاصّاً

يوسف ضمرة

العلاقة بين القصة والخبر علاقة أصيلة، فالقصة تروي حكاية تنطوي على خبر ما، أي أن فن القصة في الأصل هو شكل من أشكال الإخبار أو الإنباء، ولكن في قالب حكائي.. خبر متسلسل يبدأ وينتهي بانتهاء الحكاية. على أن هذا لا يعني أن القصة القصيرة هي مجرد إخبار، أيا كان شكل هذ الإخبار. ولئلا نغوص في تعريفات فن القصة، فإننا نكتفي بالقول إنها خبر يتدخل في صوغه وطريقة نقله المخيال الإبداعي، أي أن القصة الفنية لا تكتفي بنقل خبر كما حدث، وكما تسلسلت وقائعه، لكنها تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وأعمق.

وفي الأحوال كلها، فإن تقديم الأخبارالتلفزيونية تطور كما تتطور وسائل الإعلام والاتصال والفنون والأجناس كلها، فبينما كان ثمة رجل أو امرأة، يجلس/ تجلس أمام المشاهد، ويسرد/ تسرد أخباراً متنوعة في السياسة والاقتصاد والفن والرياضة، فإننا نرى ذلك الآن مختلفا تماماً، فقد أصبح ثمة مراسل صحافي يعد تقريراً من مكان الخبر، ويقرؤه على الناس، وقد يتضمن هذا التقرير مقابلات ولقاءات مع شهود عيان، ومع محللين مختصين في موضوع الخبر، ناهيك عن الكاميرا التي تصاحب التقرير، لتترجم ما يقوله، وتؤكده.

هذا يعني أننا أمام نص مكتوب ومسموع ومرئي، وهو نص قصصي تحل فيه الصورة مكان المخيال، لتنقل مباشرة أو لتسجل الحدث، وتلعب اللقاءات والحوارات دور تعدد الأصوات في النص الواحد، كما يلعب المحلل دور الناقد الأدبي بامتياز.

لم يعد التقرير الإخباري مجرد نقل للخبر كما حدث، فقد أصبحت للتقرير بصمة خاصة بكل مراسل، وهي بصمة تنتجها اللغة، وحركة الكاميرا، وتعدد الأصوات، إضافة إلى ما يقوم به المراسل من ربط محكم بين الخبر ونصوص أخرى، سواء كانت أدبية أم أسطورية أم تاريخية. وبهذا المعنى يمكن النظر الآن إلى التقرير الإخباري المصور، أو الرسالة التلفزيونية، على أنها نص قصصي، تتوافر فيه كل عناصر القص، الأمر الذي يخلق تباينات واضحة في السوية الفنية بين الرسائل، حسب كاتبها ومرسلها وبقية الفريق العامل فيها.

هل هذا هو ما يسمى تداخل الأجناس والأنواع؟

أحب أن أفهم الأمر على نحو آخر، وهو أن القصة هي أصل الأجناس السردية كلها، وربما تشهد على ذلك نشأة الخرافة والحكاية الشعبية. ومن يقرأ كتاب بروب الشهير «مورفولوجيا الحكاية الشعبية» يلحظ هذا القاسم المشترك بين خرافات الشعوب وحكاياتها، ما يوحي بنشأة أممية للقصة القصيرة، التي هي في الأصل حكاية تخبر عن شيء، فقد تبين لبروب أن للحكاية الشعبية أياً كان منشؤها وموقعها، وظائف محددة لا تتجاوزها، وهي لاتتجاوز 32 وظيفة، أو 16 وظيفة فيما لو اختصرنا كل ثنائية إلى وظيفة واحدة.

لقد بات واضحاً الآن، أن الرسالة التلفزيونية آخذة في التحول إلى قصة تعتمد الحكاية والسرد والحوار، وتوظف المكان بما يخدم النص. ولكن، ثمة عوامل عدة تساعد المراسل التلفزيوني على هذا التحول، أبرزها ضرورة التنافس بين الرسائل التلفزيونية، حيث أصبح هاجس التنميط لدى كثير من المراسلين حافزاً ودافعاً للبحث عن صياغات أخرى مغايرة، ومفارقة للصيغ التي درجت عليها وكالات الأنباء من قبل.

damra1953@yahoo.com

تويتر