هواء أوروبا «المجاني»!

لا أود المقارنة بيننا وبين الغرب، ولست منحازاً لبلدي ومدينتي، لكنها حقيقة يلمسها كل من عاش في الإمارات وزار أي مدينة أوروبية، لا أقصد مواطني الدولة فقط، بل حتى الأوروبيين المقيمين في الإمارات.. حقيقة لا مبالغة فيها، وهي تفوّق بلدنا الواضح على جميع الدول الأوروبية من دون استثناء، في الخدمات وسهولة الحياة.

لا مجال أبداً للمقارنة بين الخدمات التي يحصل عليها المواطن والمقيم وحتى الزائر والسائح في الإمارات، وما يمكن أن يلقاه الإنسان في أوروبا التي تفوقت على العالم في أمور كثيرة، لكنها تعيش خلف الأمم في مفهوم تقديم الخدمات المميزة.

لن أضطر إلى التدليل على ذلك كثيراً، فالفرق شاسع منذ الخطوة الأولى في أي مطار أوروبي، والفرق واضح في عنجهية معظم موظفي الهجرة إن لم أقل جميعهم، وبين موظفينا الذين يتعاملون مع الإنسان بمنتهى الإنسانية!

لا مجال لمقارنة البنية التحتية والشوارع والطرق، ولا مجال لمقارنة الفنادق التي يبدو أن تصنيفاتها في أوروبا تختلف كثيراً عن تصنيفها لدينا، ولن أبالغ إذا قلت إنه لا يوجد في أوروبا فندق واحد من فئة الخمس نجوم، إذا كان معيار التصنيف هو فنادق دبي.

لا مجال لمقارنة الأسعار، ومن لديه شك فليسأل عن أي شيء، بدءاً من «غرشة الماي»، وانتهاءً بسعر أي وحدة عقارية، مع العلم أن معظم بضائعنا مستوردة منهم!

يتذمرون هنا من «سالك»، ويتذمرون من دفع رسوم الخدمات، ويريدون خفض سعر البنزين، وهم في بلدانهم يدفعون أضعاف «سالك»، ويدفعون الضرائب التي تقتطع أكثر من 40٪ من رواتبهم، ويملأون خزان وقود أصغر سيارة بما يساوي 300 درهم على الأقل، ويدفعون حتى نظير استخدام دورات المياه العامة، و«أكياس» السوبرماركت، وحتى «كاتشب» ماكدونالدز!

الحياة هنا بالنسبة إليهم، ومقارنة بمستوى المعيشة عندهم هي ضرب من الخيال، بينما نتهافت نحن للارتماء في أحضان بلدانهم، على الرغم من كوننا ضيوفاً غير مرحب بهم إطلاقاً!

سبب وحيد، يجعلنا نقول «إيش جابرك على المر؟»، سبب وحيد ولا شيء غيره، لا دخل لهم فيه، ولا ذنب لنا نحن أيضاً في ابتعاده عنا، إنما هو القدر الذي حباهم أفضل طقس في العالم في هذه الفترة، وحبانا نحن أشد حرارة وغبار.

في ما عدا تلك الجنة التي لم يبذلوا جهداً في الحصول عليها، فلا مجال أبداً لتفوّق أي بلد أوروبي علينا في سهولة الحياة، ورقي الخدمات، والتفنن في استقطاب الزوار والسياح، وحتى في مستوى المعيشة ومستويات الأسعار.

لم يجبرنا أحد على «التصييف» في أوروبا، هذا صحيح، ولكن ما يثير الدهشة والاستغراب، هو حجم الاعتراض الذي يبدونه هنا من جراء فرض رسوم مقابل أية خدمة حكومية، وحجم الإساءة والاستهزاء الذي يعبرون عنه في مواقع إلكترونية وصحف وإذاعات أجنبية، وهم في حقيقة الأمر يعيشون حياة لا يحلمون بها، ويحصلون على مزايا ورواتب «خيالية»، لا ينفقون منها ربع ما ينفقونه في بلدانهم، التي ستحاسبهم يوماً على الهواء النقي الذي يستنشقونه، والذي يعتبر عملياً هو الشيء الوحيد المجاني في أوروبا!

 

reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة