«كارثة» ثانية

مع أنني بدأت مقالة الأمس، قائلاً إنني لا أود ولا أحب عادة أن أستخدم كلمة «كارثة»، إلا أنني أجد نفسي ولليوم الثاني على التوالي مضطراً إلى استخدامها، فحادث انهيار مبنى حديث الإنشاء مكوّن من تسعة طوابق، ثلاثة منها تحت الأرض، وعلى الرغم من عدم وقوع أية إصابات بشرية، جعلني أصرّ على تسمية ذلك «كارثة»، على اعتبار أن مجرد وقوع هذا النوع من الحوادث في دبي تحديداً هو بالفعل «كارثة».

الأسباب كثيرة لهذا التصنيف، وأعداد الإصابات أو فقدان الأرواح ليس هو التصنيف الوحيد لاعتبار ما حدث كارثة، بل إن مجرد القبول بفكرة إمكانية انهيار مبنى سكني أو تجاري وسط مبانٍ أخرى سكنية في منطقة مكتظة بالسكان كارثة حقيقية، فكيف إذا كان هذا الانهيار واقعاً حقيقياً وليس مجرد فكرة أو خيال؟!

انهيار المبنى يعني بكل اختصار انهيار الثقة بمراحل المتابعة والإشراف كافة، التي تتبعها الجهات المختصة، خصوصاً بلدية دبي، لترخيص وإنجاز المباني بشكل عام، وانهيار المبنى في مراحله النهائية وبعد أن وضعت لافتات «للإيجار» على جدرانه، يجعلنا نفتح مجالاً لملايين الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات من مهندسي إدارة المباني في البلدية تحديداً!

لا أقصد توجيه الاتهامات إلى أحد، ولكن هناك مسؤولية يجب أن يتحملها أحد، وهناك خلل يجب أن يكتشف اليوم قبل غد، وهناك إجراءات يجب أن تعدل، ومعاملات يجب أن يتم التشديد عليها، وهناك إهمال عن عمد أو عن غير عمد يجب أن يُقضى عليه!

لا مجال للتسامح، ولا مجال لتهوين الأمر، فالمسألة ليست بالشيء الهيّن أو البسيط، المشكلة أكبر بكثير من التغطية عليها أو تمريرها، ولا داعي لتخيل حجم الكارثة لو تأخر انهيار المبنى فترة زمنية تقدر بشهر أو شهرين، ومع بداية قدوم المستأجرين وتوافدهم عليه!

ولا داعي لوصف حجم الكارثة لو انهار المبنى من الجهة الملاصقة للمباني «السكنية»، ولا داعي لتخيل ما يمكن حدوثه لأصحاب السيارات الواقفة تحت المبنى لو تم الانهيار في ساعة خروجهم وركوبهم سياراتهم!

ومن هنا، فإن الخبر لم ترافقه كلمة «كارثة»، بسبب عوامل لا دخل لأي مسؤول فيها، ولكن هل هناك مسؤول واحد يستطيع ضمان تكرار العوامل نفسها في المرات المقبلة؟!

ما حدث أول من أمس، لا يحتمل سوى تفسيرين، حسب أحد خبراء البناء، الأول هو تقديم المقاول معلومات وكميات مواد مستخدمة في صبّ قواعد المبنى للبلدية، ومن ثم تنفيذ العملية بمواد وكميات أقل كمّاً أو جودة، أو حدوث أخطاء في تقدير كميات المياه المفترض سحبها قبل إنشاء القواعد، وفي كلتا الحالتين إن صحتا، فإن المسؤولية لن تفارق مفتشي ومهندسي البلدية، فهل هم على استعداد للاعتراف بالخطأ، وإصلاح الخلل، قبل أن نضطر فعلياً إلى استخدام كلمة «كارثة»؟!

 

reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة