قف لرمضان.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

رحم الله شاعراً عربيداً وَرِعاً قال:

إذا العشرون من شعبــان ولــت فواصل شرب ليلـك بـالنهار

ولا تشــرب بأقــــداح صغــــار فإن الوقت ضاق عن الصغار



نعم عربيدٌ لأنه يحث جماعة السكر على المزيد من الشراب، ولكنه وَرِعٌ! لأنه أعلن إجلاله لرمضان وغير وارد عنده أبداً أن يتجرأ فاجرٌ على الشرب في رمضان! فهل نقارن بينه وبين من يكدون طوال العام تجهيزاً لليالي الأنس والطرب والسحور الراقص في رمضان؟

هل حال مخيمات الفن، وعرض قصص حياة الراقصات على الفضائيات العربية في رمضان، وجهادهن لبلوغ النجومية، يتفق مع فلسفة هذا الشاعر العربيد؟ أم أن هناك عدم إدراك لمعنى الصوم ومفهومه في رمضان؟ لا علينا من تصرفات غيرنا فقد قال ربنا لكل من يرى نفسه مؤمناً {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُركُمْ مَنْ ضَل إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}(المائدة: 105).

إذاً قد عاد رمضان بخيراته وبركاته ليرفع درجات بعضنا، كما رجع أيضاً ليقيم الحجة على بعضنا من جديد! وقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تِسْعةَ رمضانات، في كل رمضان كان الصحابة يزدادون رقة وشفافية وألفة بينهم عن ذي قبل.

فهل حدث معي أو معك، بإنصاف، أن خرج أحدنا من رمضان مرة في ما مضى عليه من رمضانات، شعر فيه بسموٍ على سلوكٍ لم يكن يرضيه قبل رمضان؟ هل تغيرت عادة من عاداتي التي أتمنى التخلص منها؟

وفي كل رمضان نسمع مراراً قوله صلى الله عليه وسلم «من لم يَدَع قول الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه»! فهل ترك الساخر من الناس سخريته؟ والمتكبر تكبره؟ والمغتاب وعاشق البحث عن عورات الناس هل أمسكا جوارحهما؟ من كان جوابه «نعم» فعلامة ذلك ألا يرجع بعد رمضان إلى ما كان عليه،لا بقرارٍ منه بل بتغيرٍ في كيماوية نفسه، تعزف نفسه عن فعل ما كان يفعله، بل ويَعجب كيف كان يفعل أو يقبل ما كان يحدث منه؟ كهذا التغيير الذي حدث لعمر بن الخطاب لما ذاق حلاوة الأنس بالله والخوف من جلاله، فعمر الذي أخذ ابنته الصبية في جاهليته إلى الصحراء وحفر لها حفرة وهي تنفض التراب عن لحيته وتداعبه قائلة: ما لك يا أبت وهذه الحفرة التي تعفر لحيتك؟ فيجيبها بأنه سيلقي بها في الحفرة حية، ويهيل عليها التراب غير ملتفت لصدمتها وصراخها حتى تأكد من أنه وأَدَها ثم تنفس الصعداء مرتاحاً لإحساسه أنه قام بواجبه، واستقبل التهاني فرحاً بفعلته، هو عمر الذي غيّرته طاعة ربه بعد ذلك لدرجة أنه كلما سمع قول الله عز وجل {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَي ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير: 8 ـ 9) خَر مغشياً عليه،فإذا أفاق قال باكيا بماذا أجيب ربي؟ مع أن التوبة تَجُب ما قبلها! فهل تريد أيها الحبيب أن يغيرك رمضان من الداخل؟ إذاً تعلّم أن الصيام ليس مجرد جوع وعطش، بل قف عن كل سلوك لا يتفق وحرمة رمضان.

mustafa@watani.ae

تويتر