ليلة القبض على رمضان

عادل محمد الراشد

مساء الجمعة ليلة السبت.. تحولت المدينة وكأن إعلاناً مفاجئاً قد تم إبلاغ الناس به. بعد صلاة التراويح انتشر الناس في الأرض يبتغون ازدحاماً في الشوارع، وتهافتاً على الأسواق، واندفاعاً نحو الجمعيات التعاونية وشبيهاتها غير المتعاونة.

كأن رمضان قد وُلد لأول مرة وليس هلاله الذي أراح المستطلعين هذا العام وقرر موعد وصوله بنفسه مع إكمال عدة شعبان. وكأن الصيام قد فُرض للتو من دون علم من الكثير من الناس الذين يشغلهم مستقبل بطونهم عن أي شيء آخر. فقد هرعت السيارات إلى الشوارع، وأثقلت على إشارات المرور، وأثقلت على أنفاس الجو ولوثت هواءه، وأحدثت ازدحاماً لا يضاهيه في المنظر غير ازدحام ليلة العيد. وامتلأت الجمعيات وأسواق المواد الغذائية في ما يبدو إعلاناً لحالة طوارئ سيعلن بعدها منع التجوال بما في ذلك التسوق. وبدا مشهد أرتال الناس المصطفين عند صناديق الدفع وكأنه يعيد مشاهد «طابور الجمعية» في أفلام السبعينات العربية. وبدا الأمر وكأن شيئاً جللاً ينذر بنفاد أو اختفاء الزاد من على أرفف منافذ البيع ومن دكاكين «الكراشية»، ويا فوز المتقدمين في إفراغ هذه الأرفف في عرباتهم، ويا خسارة أولئك المسترخين الذين فهموا أن رمضان هو شهر الجوع والحمية والاقتصاد والزهد!

الناس في ذلك المشهد كمن يمسك بيده قضيباً ملتهباً، ثم يصرخ شاكياً من سخونة ذلك الملتهب. فهم إلى الأسواق بغير مبرر يهرعون، وكأنهم لمجاعة يستعدون، ثم يأتون شاكين ومتذمرين من الأسعار وتصيّد التجار.

هل هي ثقافة الفوضى التي تميز حياتنا، حيث لا برمجة، ولا تخطيط في كل تفاصيل حياتنا، ورمضان واحد من تلك التفاصيل؟ أم هي ثقافة الاستهلاك التي تبحث لها عن مولد تشبع فيه «وجد» أو جنازة تموت فيها من اللطم؟

هي بالتأكيد ثقافة غائبة، وجدت فيها الثقافات المضادة فرصتها لتملأ فراغ مكانها فتجعل كل شيء في حياتنا طارئاً ومفاجئاً ومرتبكاً.

 

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر