اتفاقية «تسهيل» انتقال المواطنين!
ما ذنب المواطن العادي الذي اصطحب أسرته وأبناءه، في سيارته الخاصة، واتجه نحو السعودية لتأدية مناسك العمرة، وبعد أن قطع ساعات طويلة يفاجأ بأسلوب فظ، يليه رفض قاطع لدخول المملكة، لأنه يحمل بطاقة هوية قررت المملكة فجأة عدم الاعتراف بها؟!
ما الجرم الذي اقترفه هذا المواطن ليمنع من الدخول إلى السعودية، أو يمنع من الخروج منها؟ ولماذا يضطر لقطع مئات الكيلومترات «مجبراً» و«معاقباً» و«مقهوراً» على ثقته باتفاقية وقعتها دولته ولم يلتزم بها الطرف الآخر، لـ«تسهيل» انتقال المواطنين بين البلدين بهذه البطاقة؟
كيف له أن يجيب عن أسئلة أبنائه، ويقنعهم «مجدداً» بأنهم أبناء دول مجلس «تعاون»، وأن «الخليجيين» إخوان وأشقاء، والعلاقات التي تربطنا ببعضنا بعضاً، عميقة ومتأصلة؟! كيف له أن يعيد إلى ذاكرتهم كلمات سمعوها وقرأوها وتعلموها في أماكن مختلفة تتحدث عن المصير المشترك، والعادات والتقاليد المشتركة، والأخوة الضاربة في التاريخ؟
التنقل ببطاقة الهوية بين دول مجلس التعاون هو أهم إنجاز شعر به المواطنون فعلياً طوال السنوات الطويلة لعمر هذا المجلس، ولا أذكر أن هناك إنجازاً غيره شعر به المواطنون ولمسوه واقعاً محسوساً، واليوم وبعد أن أوقفت السعودية دخول مواطني الإمارات إلى أراضيها باستخدام هذه البطاقة، فإنها بذلك تلغي أهم إنجازات المجلس، وتعيدنا إلى نقطة الصفر، إذن ألا يحق لنا أن نتساءل: ما فائدة مجلس التعاون، وهل بقي منه سوى اسم لا يدل عليه إطلاقاً؟! الخلافات واردة بين الدول، لا ننكر ذلك، وستظل الخلافات مادامت هناك دول على الأرض، ولكن هل التصعيد والانتقام والشدة هي الحلول المثلى؟ وهل سيظل المواطن البسيط هو الضحية التي يجب إيلامها دائماً للفت النظر إلى أي خلاف؟! إلى متى ستظل الإنجازات دائماً محط مراجعة وتحطيم في ظل اتباع سياسات العودة والجذب بشدة إلى الوراء لمنع خطوات التقدم؟! حقيقة تجعلنا نخجل دائماً، ونشعر بحجم التخلف الذي نعيش فيه، عندما نتنقل بين دول الاتحاد الأوروبي بالسيارة، نشعر بأننا أقزام وسط هذا العالم المتحضر، نشعر بالعجز أمامهم، وفي الوقت نفسه نحني رؤوسنا احتراماً وتقديراً لهم، 25 دولة أوروبية، لا نشكل بالمقارنة معها «مجتمعين» أي ثقل سياسي أو اقتصادي أو حتى من حيث المساحة، لا أهمية لنا في هذا العالم مقارنة بأهميتهم، ومع ذلك تدخل إلى دولة صناعية عظمى، وتخرج من دولة عظمى من دون أن تشعر، ومن دون أن تشاهد مركزاً حدودياً، أو رجالاً يسمون «حرس الحدود»، لأن الواقع يقول إنهم تجاوزوا مفهوم الحدود «البالي» الذي لانزال نتمسك به، ولا أظننا سنفارقه حتى لو ضرب كوكب الأرض بأكمله نيزكٌ، وخلط الحابل بالنابل، أعتقد أننا سنفيق بعدها لنبحث عن الحدود! عفواً أيها العالم، فنحن هكذا، دول مجلس «تعاون» في الأخبار، والكلمات، واللقاءات والصور التذكارية، والابتسامات. تعاون على الورق للاستهلاك، أما الواقع فيكفي أن تزور مركزاً حدودياً لتفاجأ بمنعك من الدخول لأنك تحمل بطاقة هوية «غير مرغوب فيها»، وإذا سألت عن الاتفاقات والتعاون، يأتيك الجواب بكل بساطة «بلوها واشربوا ميتها»!