مافيا المهرجانات
إذا كانت المافيا العالمية تمارس دورها الاحتكاري في العديد من المجالات الحياتية والاقتصادية وحتى السياسية، فإن تعبير «المافيا» كمصطلح احتكاري بات ينطبق على بعض المظاهر الثقافية في الوطن العربي، بحيث بات بعض البؤر يعمل على التحكم الفعلي في إبراز هذا المبدع والعمل على تسويقه في المحافل كلها، والعمل من جانب آخر على طمس العديد من المواهب الابداعية بحجة عدم اتساقها أو اتفاقها مع هذه البؤرة الثقافية أو تلك.
ويمكن القول إن هذه المافيات أو هذه البؤر الاحتكارية بدأت ومنذ مطلع تسعينيات القرن الفائت بالتخلق والتشكل عبر المهرجانات الثقافية العديدة التي تقيمها العواصم العربية في كل عام، فالمهرجانات الثقافية العربية تبدو كأنها تقام بعملية تشبه تماماً عملية التدوير الصناعي، التي تأخذ الشاعر المستهلك في وطنه إلى درجة التقزز لتعيد إنتاجه في عاصمة عربية، عاصمة اعتادت على منجزه الشعري والتدرب على إطلالته المملة.
وهذا التدوير الثقافي إن جاز التعبير يحدث بسبب العلاقات التي تتأسس في المهرجانات والملتقيات عموماً، حيث نلحظ أن الجهة الداعية في مهرجان عربي ما، تتحول في العام المقبل الى جهة مدعوة من قبل الشاعر أو الناقد الذي يفعل المستحيل كي يسجل اسم بعض الشخوص الذين قاموا بدعوته إلى مهرجانهم.
إن هذا التدوير الذي بات علامة مميزة للمهرجانات العربية التي يتكرر شخوصها في كل عام بالوتيرة ذاتها وحتى بالقراءات ذاتها.
إنّ هذا الفعل الاحتكاري يقوم في الاصل على المثقف الطحلب الذي يظل يتربص بحدوث المهرجان وحينها يبدأ بزياراته المباغتة للفندق ومن ثم يعمل على توطيد علاقته مع بعض الضيوف ومن ثم تقديم نفسه كخادم مطيع وكدليل سياحي للضيوف وفي غضون ذلك يعمل على أن يتحول الى عين للضيوف محاولا أن يبعدهم غن القامات الابداعية وعدم الاحتكاك بها أو التواصل معها، وفي الليل تراه يتسرب إلى غرف الضيوف كي يمارس سطوته المكانية عليهم ومع تكرار هذا المسلك الطحلبي يتحول هذا المثقف إلى رمز من رموز المدينة الى الدرجة التي تتم فيها دعوته للمشاركة في بعض المهرجانات، ومثلما يحدث في مهرجان الجهة الداعية تتكرر ظاهرة المثقف الطحلبي في المهرجان المقبل للجهة المدعوة، لقد استطاع كهنة جيل ثمانينات القرن الفائت من المبدعين العرب ممارسة ما يمكن تسميته «السطو المهرجاني»، بحيث باتت أسماء بعض الكتاب من هذا الجيل تتكرر كل عام وفي أي مهرجان في أي عاصمة عربية. وقد لاحظت في بعض دورات مهرجان جرش الأردني أن بعضهم كانوا يتندرون على مهرجانات عربية أخرى، بمعنى أنهم ذاتهم من يحضر هذ المهرجانات. لا بل سمعت أحد الشعراء العرب يقول لصديقه الشاعر في نهاية ذاك المهرجان وهو يودعه: «حتماً سنلتقي في مهرجان أصيلة». إلى هذه الدرجة بلغت هيمنة مافيا المهرجانات العربية وسطوتهم، ولعل الخطير في هذه الهيمنة هو تحول هذه المافيا إلى ما يُشبه الحجاب الحاجز الذي يقوم بالتعمية على العديد من المواهب الابداعية التي تجاوزتهم، والعمل على إقصائها من المشهد المهرجاني العربي.
وهذا ما يجعلنا نقول إن على الجهات التي تنظم مثل هذه المهرجانات أن تعي حجم الخراب الذي تقوم به وهـي تتـعامل مع مثقف بات تقـويمه السـنوي يمـتلئ بالدعوات التي يلبيها كل عام بحكم مهارته العالية في درس العلاقات العامة.