البلاك بيري‮ ‬و”القطيع‮”!‬

سامي الريامي

يُحكى أن أحد كبار المستثمرين الأميركيين، صفّى جميع الأسهم التي يملكها في البورصة، هكذا فجأة ومن دون مقدمات، ما استدعى أن يتوجه إليه كبار المسؤولين والمستثمرين ورجال الإعلام لمعرفة السبب، فقال لهم “إن سوق الأسهم في خطر والبورصة معرضة للهبوط بشكل لا مثيل له”. استفسروا منه عن مصدر هذه المعلومات، فالوضع العام لا يشير إلى ذلك إطلاقاً، فأجابهم “بالأمس وفي طريقي للدخول إلى مبنى البورصة قررت أن أنظف حذائي عند (إسكافي) اعتاد الجلوس في الطريق، فلما عرفني ظل يحدثني لأكثر من ساعة عن الأسهم المتوقع صعودها والأخرى الخاسرة، وأخذ ينصحني بشراء أسهم معينة خلال فترة معينة، فأيقنت أن البورصة الأميركية في خطر شديد لأن كل من يفقه ولا يفقه شيئاً أصبح يتعامل فيها”، ويقال إن بعد هذه الحادثة بأقل من شهر واحد ضربت أسواق المال الأميركية عاصفة يوم الإثنين الأسود!

وسواء صحت هذه الرواية أم أنها كانت من باب المبالغة لإثبات شيء معين، فإن فحواها صحيح بنسبة عالية، فالمتتبع لتطورات الأسهم والأسواق المحلية يدرك تماماً أن أحد أهم أسباب انتاكاساتها، هي أن الخباز أصبح سمساراً و”راعي التاكسي” أصبح مستثمراً، و”اللي يبيع السمبوسة” أصبح يدير محافظ أصحاب رخصة المطعم الذي يعمل فيه. باختصار، أصبحت سوق الأسهم مكاناً لكل من يفهم، وكل من لا يفهم عن الأسهم شيئاً!

هي نظرية “القطيع” التي يعرفها أهل الاقتصاد، فالناس تنجرّ وبطريقة مخيفة خلف كل شائعة، وتتخذ قراراتها المصيرية بناء على “سمعنا”، و”فلان قال” و”واحد من الربع خبرني”، وفي النهاية قلة قليلة تعرف كيف تؤكل الكتف، والأغلبية المتبقية هي من يوفر هذه الكتف للأكل!

ليست الأسهم وحدها تدار بهذه الطريقة، بل للأسف حياتنا أصبحت كلها تدار بعقلية القيل والقال، تحولنا إلى مجتمع يدار بطريقة الـ”إس أم إس” و”ماسنجر البلاك بيري”، ومنتديات فيها من المبالغات والكذب والتدليس والتأليف ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر!

”أعلن تلفزيون أبوظبي ثبوت رؤية الهلال يوم الجمعة ليكون أول أيام رمضان”، خبر طار في ثانية بين جميع أجهزة البلاك بيري، لكن رمضان جاء يوم السبت ليكذب هواة التأليف.. “وفاة أربعة أشقاء في حادث مروري”، وتتهافت الناس إلى الأسرة المذكور اسمها فيصدمون بأنها “شائعة”.. “زيادة في الرواتب، وراتب شهر إضافي لجميع الموظفين”.. طبعاً، يتضح أنها أمنية يحاول البعض ترويجها علّها تتحول إلى حقيقة!

 هذه البيئة تفرخ أيضاً كثيراً من العلماء والفقهاء والمثقفين “الوهميين” طبعاً، فهذا ينصح أولياء الأمور بعدم تطعيم أبنائهم من أنفلونزا الخنازير، وآخر يؤكد أن الشركة المصنعة للمصل قررت استخدام أهل الإمارات فئران تجارب للقاح، وثالث يؤكد وفاة 67 مصاباً بمرض أنفلونزا الخنازير في الدولة!

 وهكذا تنتشر الأخبار، ويصاب الناس بالهلع والذعر، وتنتشر نظرية “القطيع”، حيث يبدأ الجميع في الانسياق التام وراء ما يبث، دون أن يتساءل عن مصدر معلومة الشركة المصنعة، أو كيفية إخفاء أرقام ضحايا مرض الأنفلونزا عن منظمة الصحة العالمية التي ترصد كل الحالات بشكـل دقيـق. لا أحد يسأل، ولا أحد يتأكد، والكل ينشر للحصول على الأجر!

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر