من المجالس
عندما يتخذ الشباب التسول مسلكا للتربح يصل مؤشر الخطر إلى أعلى درجاته. فالمشهد المتكرر يتقدم فيه المسنون وفئات من النساء تحت عناوين الترمل وتربية الأيتام والقدوم من مناطق الحروب. ولكن الجديد في المشهد أن يتقدم شاب عربي أو مسلم طالباً “حسنة”، بعد أن يروي القصص ويعرض قصاصات من ورق وصوراً لوثائق تثبت أنه عاطل عن العمل، جاء بتأشيرة زيارة، ولا يملك ثمن أجرة “التاكسي”.
بعض هؤلاء تبدو عليه علامات عابر السبيل الذي تبدو ثيابه وقد باتت على جسده لأيام عدة، وبعضهم “كاشخ” يتكلم بلغة العزيز الذي ذلته الحاجة وضيق ذات اليد وتكالبت عليه الظروف. وبعيدا عن مدى صدق أو كذب هؤلاء، فهذا ليس موضوعنا، فإن السؤال الذي تحيطه هذه المشاهد بالمرارة هو: لماذا وصلت النفس العربية والمسلمة “الأبيّة” إلى هذا الحد من النزول، ولا أريد أن أصفها بالدناءة، فبالتأكيد ليس كل من مدّ يده طالبا الإحسان كاذباً، ولكن حتى أولئك الكاذبون الممثلون دور المحتاج الضعيف، لماذا تصل نفوسهم إلى أدنى الدرجات وهي سؤال الناس والعيش على أفضالهم؟
ربما صدرت في العالم العربي دراسات نظرية حول هذه الظاهرة، ولكنني أحسب أنها اتجهت جميعا إلى الظروف الاجتماعية، ووجهت أكثر مدافعها نحو فئة المتسولين دون أن ترفع عينيها ومداد أقلامها إلى الأعلى لترى أصل المشكلة.
الفقر سبب، والبطالة سبب آخر، والجهل سبب ثالث، والزيادة السكانية سبب رابع، وربما هناك أسباب أخرى يتكرر الحديث عنها، ولكن ما سبب الفقر والبطالة والجهل؟ هل فُطرت المجتمعات العربية والإسلامية الحديثة دون غيرها من مجتمعات العالم على هذه الأمراض؟ هل خرج الناس في هذه الدول على الدنيا منذ أن خلق الله الأرض وما عليها ليجدوا أنفسهم في أسر هذا الثالوث البغيض؟ أليس لكل نتيجة مقدمة كما يقول أرسطو؟ وإذا كان افتقاد العدل هو مقدمة المقدمات فما يا ترى ستكون النتائج؟