الزكاة والدَين
كان سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا دخل شهر شعبان يقول للناس: «هذا شهر زكاتكم. فمن كان عليه دين فليؤد دينه. حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة». كما أخرجه مالك في الموطأ. ويعتبر هذا الأثر أصلاً لتحري المسلمين بزكاتهم شهر رمضان، مع أنه لا موسم لها محدداً، ولكن لما يرجونه فيه من زيادة الأجر وعظيم الفضل، وكونه شهر المواساة. والدَين مسألة مهمة في فقه الزكاة، يكثر السؤال عنه دائماً، خصوصاً في هذا الشهر، وفيه مسألتان أساسيتان هما: 1- الدين المستحق للمزكي. 2- الدين على المزكي. فالمسألة الأولى يكثر السؤال عنها من حيث وجوب الزكاة في الدين المستحًق للمزكي، هل تجب فيه الزكاة؟
والجواب أن الدين المستحق نوعان: دين مرجو السداد، وهو الذي يكون على مليء مُقرٍ به، غير مماطل فيه، بل مستعد لدفعه متى حل أجله أو طلبه مستحقه، فهذا على صاحب المال أن يعتبره كأنه في حسابه أو صندوقه، فيضمه إلى وعائه الزكوي الذي حال حوله، ويزكيه معه؛ لكونه مالكاً له، قادراً على التصرف فيه. النوع الثاني: دين غير مرجو السداد، كأن يكون على معسر أو مماطل أو ظالم أو نحو ذلك، فهذا ليس عليه زكاة الآن، بل عليه أن ينتظر حصوله، فإذا تسلمه زكاه لعام واحد عند الجمهور، خلافاً للسادة الشافعية الذين يرون زكاته كل عام، لتعلق حق الفقير به وقد عاد إليه. ومثل هذا النوع زكاة الأموال المجمدة في البنوك والمؤسسات كأموال نهاية الخدمة، أو المجمدة بأوامر قضائية أو سياسية، أو الضائعة التي لا يدري مالكها أين وضعها، فكذلك تزكى لعام واحد عند قبضها، كما مرّ.
أما المسألة الثانية وهي الديون التي على المزكي، فيكثر السؤال عنها من حيث إسقاطها للزكاة وعدمه، ذلك أن مستحق الدين يطالب المزكي بدفع ما عليه، فما في يده قد تعلق به حق الغير، فهل له أن يحسم من زكاته بقدر ما عليه من الدين؟ وذلك ما ذهب إليه السادة المالكية والأحناف، وسواء كان الدين حالاً أو مؤجلاً، وهو إحدى الروايتين عند أحمد، فقالوا: له أن يسقط من وعاء زكاته بقدر ما عليه من الدين، وقد يكون ديناً مستغرقاً لجميع ماله، فلا تجب عليه الزكاة، وهذا ما يشهد له الأثر السابق عن سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه، ولكنهم يشترطون لذلك شرطين: 1- ألا يكون لمالك الزكاة ما يُسدد به دينه من أملاكه الأخرى التي يمكن أن تفي بدينه، فإذا كان له مقتنيات أخرى من عقار أو سيارات أو تجارة أو نحوها، وهي فاضلة عن حاجته الأساسية، بحيث تباع عليه عند الإفلاس، فإن الدين والحالة هذه لا يؤثر في الزكاة، بل تخرج زكاة المال كما لو لم يكن مديناً؛ لكون هذه المقتنيات فاضلة عن حاجته يمكن أن تسد دينه أو قسطاً منه. 2- ألا يكون ماله الزكوي من الأموال الظاهرة، من حبوب وثمار وبهيمة الأنعام، فإن هذه لا أثر للدين فيها، لتعلق الفقير بها، بخلاف المال الباطن كالنقد الذي قد لا يعلم به، وهذا كله خلافاً لمن لم ير للدين أثراً على الزكاة وهم السادة الشافعية والرواية الثانية عن أحمد وبعض السلف، فقد رأوا أن المسلم إذا ملك نصاباً قد حال حوله وجبت عليه زكاته، بغض النظر عن الدين؛ لإطلاق الأدلة الموجبة للزكاة في المال المملوك. هذا كله في شأن الزكاة الواجبة، أما نوافل الصدقات فبابها واسع، فكل أمرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس، كما صح في الحديث.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء
والجواب أن الدين المستحق نوعان: دين مرجو السداد، وهو الذي يكون على مليء مُقرٍ به، غير مماطل فيه، بل مستعد لدفعه متى حل أجله أو طلبه مستحقه، فهذا على صاحب المال أن يعتبره كأنه في حسابه أو صندوقه، فيضمه إلى وعائه الزكوي الذي حال حوله، ويزكيه معه؛ لكونه مالكاً له، قادراً على التصرف فيه. النوع الثاني: دين غير مرجو السداد، كأن يكون على معسر أو مماطل أو ظالم أو نحو ذلك، فهذا ليس عليه زكاة الآن، بل عليه أن ينتظر حصوله، فإذا تسلمه زكاه لعام واحد عند الجمهور، خلافاً للسادة الشافعية الذين يرون زكاته كل عام، لتعلق حق الفقير به وقد عاد إليه. ومثل هذا النوع زكاة الأموال المجمدة في البنوك والمؤسسات كأموال نهاية الخدمة، أو المجمدة بأوامر قضائية أو سياسية، أو الضائعة التي لا يدري مالكها أين وضعها، فكذلك تزكى لعام واحد عند قبضها، كما مرّ.
أما المسألة الثانية وهي الديون التي على المزكي، فيكثر السؤال عنها من حيث إسقاطها للزكاة وعدمه، ذلك أن مستحق الدين يطالب المزكي بدفع ما عليه، فما في يده قد تعلق به حق الغير، فهل له أن يحسم من زكاته بقدر ما عليه من الدين؟ وذلك ما ذهب إليه السادة المالكية والأحناف، وسواء كان الدين حالاً أو مؤجلاً، وهو إحدى الروايتين عند أحمد، فقالوا: له أن يسقط من وعاء زكاته بقدر ما عليه من الدين، وقد يكون ديناً مستغرقاً لجميع ماله، فلا تجب عليه الزكاة، وهذا ما يشهد له الأثر السابق عن سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه، ولكنهم يشترطون لذلك شرطين: 1- ألا يكون لمالك الزكاة ما يُسدد به دينه من أملاكه الأخرى التي يمكن أن تفي بدينه، فإذا كان له مقتنيات أخرى من عقار أو سيارات أو تجارة أو نحوها، وهي فاضلة عن حاجته الأساسية، بحيث تباع عليه عند الإفلاس، فإن الدين والحالة هذه لا يؤثر في الزكاة، بل تخرج زكاة المال كما لو لم يكن مديناً؛ لكون هذه المقتنيات فاضلة عن حاجته يمكن أن تسد دينه أو قسطاً منه. 2- ألا يكون ماله الزكوي من الأموال الظاهرة، من حبوب وثمار وبهيمة الأنعام، فإن هذه لا أثر للدين فيها، لتعلق الفقير بها، بخلاف المال الباطن كالنقد الذي قد لا يعلم به، وهذا كله خلافاً لمن لم ير للدين أثراً على الزكاة وهم السادة الشافعية والرواية الثانية عن أحمد وبعض السلف، فقد رأوا أن المسلم إذا ملك نصاباً قد حال حوله وجبت عليه زكاته، بغض النظر عن الدين؛ لإطلاق الأدلة الموجبة للزكاة في المال المملوك. هذا كله في شأن الزكاة الواجبة، أما نوافل الصدقات فبابها واسع، فكل أمرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس، كما صح في الحديث.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء