جماهيريّة الأدب

يوسف ضمرة

واهمٌ من يظن أن كل هذا الشعر والأدب عموما يذهب إلى الناس! فالناس ليسوا مهتمين بالأدب بالشكل الذي نظن، مقدار اهتمامهم بلقمة الخبز ومدارس أبنائهم وسبل الرعاية الصحية، ناهيك عن ملايين العرب المهجرين من منازلهم وبلدانهم، والتواقين دائما إلى العودة.

لا، ليس هنالك أدب جماهيري، فحتى الشعراء الكبار والكتاب الكبار، ليسوا معروفين في الأوساط الشعبية، ولا تعرف الطبقات المسحوقة عنهم شيئا، وليس ثمة من يهتم بهم أو بإنتاجهم، سوى الكتاب وبعض المثقفين.

علينا أن نقر بأن الأدب أصبح أكثر نخبوية من قبل، وأكثر انعزالا من قبل. وعلينا أن نعرف أن الجماهير العريضة تبحث عن حلول لمشكلاتها اليومية والتاريخية، قبل تذوق قصيدة أو قصة أو رواية، وعلينا أن نستشعر خطرا ما في هذه الحال، يتعلق بدور الأدب ومكانته وأهميته وضرورته.

فنحن نعرف أن الأدب لم يكن يوما ما جماهيريا بالمعنى المطلق، ولكنه كان رديفا للطبقة الوسطى إنتاجا واستهلاكا، الطبقة التي تُستوفى بوجودها شروط التغيير والتحول والتبدل. أمَا وقد أصبحت الطبقة الوسطى معرضة للانقراض أو التكسر، فإن الأدب نفسه بات مهددا.

هذه ليست سوداوية أو إحباطا أو أي شيء من هذا القبيل، بمقدار ما هي توصيف أقرب ما يكون إلى كونه حقيقة اجتماعية.

وعندما نتحدث عن حقيقة اجتماعية، فإننا نتحدث عن وظائف البنى الاجتماعية أو دورها، فبنية الطبقة الوسطى المهددة بالانهيار، هي التي ينبني عليها دور الأدب، بالنظر إلى تطلعات هذه البنية الاجتماعية، وأشواقها، التي هي بالضرورة تنتج الثقافة والمثقفين في المجتمعات.

وهذه حقيقة اجتماعية أيضا، حيث الطبقة العليا معنية بثقافة محددة، تنحصر وظيفتها في الحفاظ على البنية الاجتماعية الكلية، على التنظيم الاجتماعي القائم، الذي يتيح لهذه الطبقة الاستمرارية في الهيمنة السياسية والاقتصادية. أما الطبقة الدنيا، فهي مهجوسة بلقمة العيش، وتدبير شؤون الحياة اليومية، ومقاومة الظلم والبطش والعسف الذي تمارسه الطبقات العليا، وبالتالي فإن الأدب يأتي في أسفل سلم أولوياتها. وعليه فإن علينا أن نسلم بأن القراءة في تراجع مستمر، وتكاد تنحصر في مجموعات المثقفين والكتاب وطلبة الدراسات العليا.

علينا هنا أن نسلم بحقيقة اجتماعية ثالثة، وهي أن وسائل المعرفة الأخرى، كالإنترنت، ليست متاحة إلا لأبناء الطبقات العليا، وقليل من أبناء الطبقات الدنيا، ما يعني أن هذه الوسيلة الحديثة لا تشكل بديلا للقراءة. ولا يتبقى أمامنا سوى التلفزيون وما يمكن أن يقدمه من معرفة، من بينها المعرفة الأدبية.

في هذه الحال، سوف نكون مطالبين بالاهتمام بهذه الوسيلة، لئلا تظل حكرا على بعض الكتاب الذين يحرصون على تلبية طلبات المنتجين، أكثر من حرصهم على نشر المعرفة الجادة، والثقافة الفاعلة. أي أن على الكتاب والأدباء أن يفكروا جديا في هذه الوسيلة، لكي يتم استغلالها في شكل ملائم، يلبي حاجة الكاتب والمتلقي على حد سواء، ومن يراقبْ البرامج التلفزيونية عموما، سيصبْ بإحباط كبير، جراء هذه السطحية والاستخفاف في التعامل مع قضايا الناس وشؤونهم وأحلامهم وهواجسهم.

 

damra1953@yahoo.com

تويتر