«يورو تريب»

من الأفلام الأميركية الخفيفة التي شاهدتها منذ بضع سنوات كان فيلماً بعنوان «يورو تريب» وهو يحكي قصة رحلة لشبان أميركان إلى مجموعة من الدول الأوروبية، يتعرضون خلالها للكثير من المواقف الطريفة والصعبة، وأعجبتني فكرة الفيلم للقيام برحلة شبيهة إلى أوروبا، ولاأزال حالياً في أوروبا أكمل رحلتي، وأودّ هنا أن أستكمل ما توقفت عنده في الأسبوع الماضي والمعرض التشكيلي في روائع التصاميم الزخرفية القرآنية، والخط العربي والذي نظمه الصديق الهولندي إسماعيل في أمستردام بمناسبة شهر رمضان، وأقصد هنا إسماعيل الحقيقي وليس الرمزي! حيث أوقعني من جديد في مقلب طريف مع عجوز آخر!

أحد أشهر المشاركين في المعرض كان فناناً يابانياً عجوزاً يتجاوز سنه الـ80 عاماً اسمه مستر هوكو، له طريقة غريبة في تشكيل الأعمال الفنية عبر استخدام الخيوط والحبال، وهو صديق قديم وعزيز لإسماعيل، لكن الغريب في الأمر أن هذا الياباني لا يجيد أية لغة أجنبية ولا يعرف سوى اليابانية، ولا أعرف كيف يتحاور معه إسماعيل على مدى السنوات الطويلة معه! فقال إنها لغة الإشارة! وبعد المعرض أصّر إسماعيل على أن أصطحبه معي إلى مقر سكنه كونه عجوزاً وقد يتوه في الطريق، وكان هذا الياباني في تلهف شديد للتسكع في شوارع أمستردام ويشدني من يدي لأتبعه من سكة إلى سكة، حيث تشتهر هذه المدينة بأزقتها الصغيرة القديمة التي تحتوي على مقاهٍ مرخصة تبيع مختلف أنواع المخدرات باستثناء الكوكايين، لكنه متوافر بكثرة في أزقة خاصة، حيث يباع بأسعار بخسة من قبل الأفارقة. وخلال دخولنا أحد الأزقة اعترض طريقنا اثنان من الأفارقة يعرضان بضاعتهما بإلحاح شديد، فنهرتهما طالباً منهم الابتعاد عن طريقنا، لكنهما تماديا أكثر واعتبرا أسلوبي مهيناً لهما، فكشرا عن أنيابهما مع سيل من الشتائم والصراخ، وشعرت بأنهما كانا على وشك إلتهامي! حينها، شدني مستر هوكو من يدي إلى الوراء، وأشار إليّ أن أبتعد إلى الخلف، ثم قام بالتلويح بيديه الاثنتين في حركات كأنها حركات كونغ فو تشير إلى رغبته في مقاتلتهما، والصراخ في وجهيهما مثل بروس لي «هووووو وييييي يووووو أوووو»، وما هي إلا ثوانٍ معدودات إلا والإفريقيان قد لاذا بالفرار! وحاولتُ بلغة الإشارة أن اسأل مستر هوكو إن كان يجيد فعلاً الكونغ فو، فأشار: لا! مواقف مثل هذه تستدعي استخدام العقل وأخذ الحيطة والحذر عند السفر إلى بلد أجنبي، فمن مواهب الله تعالى التي فضّل بها الإنسان على بقية المخلوقات العقل الذي يفرق به بين الصواب والخطأ والحق والباطل والحسن والقبيح، وقال بعض الحكماء: العقل والحياء أخوان لا يفترقان، ومتى عدم أحدهما لا يوجد الآخر. وهذا الياباني وعلى الرغم من عدم إجادته لأية لغة أجنبية سوى لغة الإشارة فإنه استطاع التعامل بحكمة في موقف صعب.

salemhumaid.blogspot.com

 

الأكثر مشاركة