هل لك في العشر الأواخر.. لو سمحت؟

ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة يوماً، وعهد إلى زوجته أن توزع منها، وذهب إلى الصلاة، ولما رجع سألها: «ماذا صنعتِ؟»، فقالت: نفدت كلها ولم يبق إلا الكتف، فابتسم وقال: «بل قولي: بقيت كلها ولم ينفد إلا الكتف». وتلا قوله سبحانه: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ} (النحل: 96 )، أي ما نكرم به الأهل والفقراء هو الذي يبقى لنا عند الله وفي قلوب الناس. طبيعة السخاء هذه علامة من علامات الصوم المقبول، وفي العشر الأواخر من رمضان تتجلى ملامح الصوم فهل تجلت معك؟

وفي العشر أيضاً يحلو القيام قبل الفجر للتهجد، فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم «صلاة في مسجدي تعدل بعشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاة، والصلاة بأرض الرباط (الثغر لحماية الوطن) تعدل بألفي ألف صلاة، وأكثر من ذلك كله الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل لا يريد بهما إلا ما عند الله عز وجل» (رواه ابن حبان). هذا في غير رمضان فكيف بالتهجد في رمضان؟ فهل ذقت حلاوته في رمضان؟

في العشر الأواخر يشعر العابدون بالرغبة الشديدة في التلذذ بتلاوة القرآن بفهم وإتقان ، ويتسابقون إلى ختمه مرات عدة فهل أحسست بهذا المذاق قبل أن يرحل رمضان؟

كما نقيم الماراثونات أو المهرجانات وتكون ساعاتها الأخيرة هي الحاسمة في تركيز الجهد واستخراج كل الطاقات، هكذا الثلث الأخير من رمضان فيه ذروة التنافس لتهذيب النفس وإتقان العبادات وترجمة الطاقة الإيمانية إلى شفافية وسمو عن شهوات الجسد وملذاته حتى إن رسول الله كان يعتكف هذه العشر الأخيرة في المسجد للعبادة في جوٍ روحي يبعده عن فتنة الحياة، ولذلك يحاول العابدون في سائر أنحاء الكون السير على دربه في البلوغ بالروح إلى قمة الصفاء وتحقيق الغاية من الصيام في العشر الأواخر من رمضان.

ومن كانت ظروفه المادية تساعده على التفرغ للعبادة يتفرغ لها ويقضيها راهباً في المسجد ولو بعض الوقت في ما يسمى «الاعتكاف»، بشرط ألا يترتب على اعتكافه ضرر لنفسه أو لغيره فلا يقصر في حق زوجته وأولاده ولا يعطل عملاً فيه مصلحة لأحد ولا يعرض نفسه إلى الاحتياج من أحد، فيجلس في المسجد ليقرأ القرآن ويصلي جماعة مع المسلمين ويستعين بهذه الخلوة على التحكم في نفسه، فلا يقول كلاماً يؤذي أحداً ولا يطالع ما يثير رغبته الجنسية حتى لو مع زوجته، والغرض أن تسمو روحه ليخرج بعد انتهاء رمضان إنساناً نقياً لا تميل نفسه إلى تعمد الأخطاء ولا حتى تحمل فعلها.

أومن كانت ظروفه لا تسمح بالاعتكاف فإنه يعتكف بقلبه ويضبط جوارحه ويكثر من العبادات.

وفي العشر الأواخر ليلة القدر، وقال سبحانه {ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر}، والروح هو جبريل. وقد جعل الله ثواب العبادة فيها كثواب عبادة ألف شهر، ولم يرد الله سبحانه أن يحددها في ليلة بعينها حتى لا ينصرف الناس عن إحياء بقية ليالي رمضان بالعبادة ويكتفوا بها، فجعلها تدور في العشرة أيام الأخيرة من رمضان خصوصاً في الليالي الفردية أي ليلة 21 وليلة 23 وهكذا. فهل تريد أن ترى ليلة القدر؟ وبصفة عامة هل لك في العشر الأواخر من رمضان؟

 المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

الأكثر مشاركة