«بنطلون» لُبنى
الصحافية السودانية لبنى، كانت تجلس في مقهى عادي، حين اقتادها عدد من رجال الشرطة إلى السجن، ثم قُدمت إلى المحاكمة بتهمة خدش الحياء العام! والمحكمة لم تقصر في حماية الحياء العام، وصيانته من الخدش، فحكمت على لبنى بالسجن أو الجلد أو الغرامة.
الجلد، نعم. في مطلع الألفية الثالثة، ثمة من يستعد لجلد امرأة، لأنها ارتدت بنطالاً عادياً. نحن نتحدث عن ثقافة اجتماعية لا يمكن وصفها إلا بالثقافة البطريركية. من دون أن ننسى أن هذه الثقافة بوليسية في المقام الرئيس. فلا أحد يمكنه أن يتفهم هذا العسف والاستبداد والجور الذي تمارسه المؤسسة الرسمية العربية، إلا في سياق تسييد ثقافة مهمتها الأساسية والوحيدة، هي الحفاظ على تنظيم اجتماعي محدد، يضمن استمرارية التخلف، وبالتالي استمرارية الهيمنة البطريركية/البوليسية التي تحقق مصالح الطبقات الاجتماعية العليا، والفئة السياسية القائمة، حفاظاً على النفوذ والمال، ولتذهب القيم والأفكار السامية إلى الجحيم.
لتذهب فلسطين كلها، وأجزاء أخرى من الوطن العربي، لأن ذهاب فلسطين وغيرها لا يخدش الحياء العام. ولأن موت عائلات كاملة جوعاً في بقاع عدة في الوطن العربي لا يخدش الحياء العام. ولأن إلحاق الوطن العربي ثقافياً وسياسياً واقتصادياً بالشركات العابرة للقارات وللقوميات لا يخدش الحياء العام.
وحده «بنطلون» الصحافية السودانية هو الذي يخدش الحياء العام، ويجعل المواطن العربي يمشي مطأطئا رأسه أمام الدنيا. بينما تبادل الأنخاب مع العدو الصهيوني، وممارسة التطبيع السياسي مقابل تجميد الاستيطان في بلادنا، هو الذي يرفع الرأس عالياً في المحافل الدولية، ويظهرنا كبشر متحضرين أصحاب نخوة عز نظيرها في العالم كله، طالما كنا مستعدين للتفريط في كل ما هو سامٍ ونبيل، باسم التحضر والسعي إلى السلم العالمي، وكأننا نحن العرب الذين ينصبون الكمائن في طول الأرض وعرضها للسلم العالمي!
عيب! أن تثار ضجة عالمية في دولة عربية بسبب بنطلون ارتدته امرأة، بينما تصل نسبة الأمية في الوطن العربي إلى مستويات مشينة. وعيب أن تحكم محكمة عربية على امرأة بالجلد بسبب بنطلون، بينما الريف العربي كله ـ أو جله ـ محروم من الكهرباء والماء ووسائل الحياة الدنيا. وعيب أن تسجن امرأة بسبب بنطلون، بينما نقبل التنازل عن فلسطين وغيرها من الأرض العربية، بحجة الجنوح إلى السلم. وعيب أن يتسبب بنطلون امرأة عربية في فضيحة دولية، بينما ثروات البلاد العربية كلها من نفط ومعادن ومنتوجات زراعية تُحرم منها النسبة العظمى من الجماهير العربية.
هل حللنا مشكلاتنا كلها في الوطن العربي، ولم يبق سوى بنطلون لبنى؟ هل انتهينا من توزيع الثروة بالعدل؟ وهل انتهينا من تحقيق المساواة في الحقوق بين المواطنين في أي دولة عربية؟ وهل تمكن المواطن العربي من تحقيق شيء من هويته الذاتية، في ظل سطوة الهوية الاجتماعية القطيعية؟
فأي ثقافة هذه التي نعتبرها المحرك الرئيس للتغير والتحول والتقدم الاجتماعي؟ وكيف لثقافة مرعوبة من بنطلون امرأة أن تكون قادرة على حمل متغيرات مستقبلية وتطورات اجتماعية وسياسية واقتصادية؟
اسألوا بنطلون لبنى!